للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنَ شِهَابٍ هَلْ يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ مَرِيضًا وَيَشْهَدُ جِنَازَةً؟ فَقَالَ: لَا.

قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا شَهِدَ الْمُعْتَكِفُ جِنَازَةً أَوْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ أَحْدَثَ سَفَرًا أَوْ بَعْضَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ اعْتِكَافِهِ، فَمَنْ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِابْتِدَاءُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ.

[الْمُعْتَكِفِ يُخْرِجُهُ السُّلْطَانُ لِخُصُومَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَارِهًا]

فِي الْمُعْتَكِفِ يُخْرِجُهُ السُّلْطَانُ لِخُصُومَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَارِهًا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَكِفِ: إنْ أَخْرَجَهُ قَاضٍ أَوْ إمَامٌ لِخُصُومَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَارِهًا، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ اعْتِكَافَهُ وَإِنْ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي وَلَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ مُعْتَكِفًا لِخُصُومَةٍ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ اعْتِكَافِهِ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَكَفَ لِلِّوَاذِ فِرَارًا مِنْ الْحَقِّ فَيَرَى فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ.

قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُعْتَكِفِ أَيَدْخُلُ الْأَسْوَاقَ لِيَشْتَرِيَ مَا يَصْلُحُهُ مِنْ عَشَائِهِ وَمِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيَشْتَرِيَ طَعَامًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُعِدُّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَا يَصْلُحُهُ.

قَالَ: وَلَا أَرَى لِلَّذِي لَا يَقْوَى أَنْ يَعْتَكِفَ وَلَا يَعْتَكِفُ إلَّا مَنْ كَانَ مَكْفِيًّا حَتَّى لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِغَائِطٍ أَوْ لِبَوْلٍ، فَإِنْ اعْتَكَفَ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفِيٍّ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا أَنْ يَخْرُجَ يَشْتَرِي طَعَامَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ وَلَا يَقِفَ مَعَ أَحَدٍ وَلَا يُحَدِّثُهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُعْتَكِفُ مُشْتَغِلٌ بِاعْتِكَافِهِ وَلَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يُشْغِلُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التِّجَارَاتِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَضَيْعَةِ أَهْلِهِ وَمَصْلَحَتِهِ وَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ شَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ خَفِيفًا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَكْفِيهِ إيَّاهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا ابْنَ الْمُسَيِّبِ، وَلَا أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ وَلَا أَحَدًا مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِمَّنْ أَقْتَدِي بِهِ اعْتَكَفَ، وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَقَامَ زَمَانًا طَوِيلًا فَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ اعْتَكَفَ، إلَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَلَسْتُ أَرَى الِاعْتِكَافَ حَرَامًا فَقِيلَ لِمَ تُرَاهُمْ تَرَكُوهُ؟ فَقَالَ: أُرَاهُ لِشِدَّةِ الِاعْتِكَافِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ سَوَاءٌ. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ الْوِصَالِ، فَقَالُوا لَهُ إنَّكَ تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبَيْتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» .

وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ حِينَ ذَكَرَتْ الْقُبْلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَتْ: وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقْوُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ يَقْوَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ، وَلَكِنْ لِيَتَّخِذْ مَخْرَجًا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ وَدَارِهِ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ أَنَّ خُرُوجَهُ إلَى بَيْتِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى النَّظَرِ إلَى امْرَأَتِهِ وَأَهْلِهِ وَإِلَى النَّظَرِ فِي ضَيْعَتِهِ لِيَشْتَغِلَ بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ مَنْ مَضَى مِمَّنْ كَانَ يَعْتَكِفُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَتَّخِذُ بَيْتًا قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ سِوَى بَيْتِهِ، فَأَمَّا الرَّجُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>