للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فِيمَنْ اسْتَعَارَ سِلَاحًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَتَلِفَ]

َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت مِنْ رَجُلٍ سِلَاحًا أَوْ اسْتَعَرْت مِنْهُ سَيْفًا لِأُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبْتُ بِهِ فَانْقَطَعَ، أَأَضْمَنُ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَضْمَنُ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - إذَا كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ، أَوْ يُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي الْقِتَالِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَانْقَطَعَ السَّيْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي الْقِتَالِ فَهُوَ ضَامِنٌ.

[فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا فَعَطِبَتْ]

ْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَلَمَّا بَلَغْتُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ تَعَدَّيْتُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِثْلُ الْمِيلِ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ رَدَدْتهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعَرْتهَا إلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَأَنَا أُرِيدُ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَعَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ وَقَدْ رَجَعْت إلَى الطَّرِيقِ الَّذِي أَذِنَ لِي فِيهِ، أَأَضْمَنُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَكَارَى دَابَّةً إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ فَتَعَدَّى بِهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَعَطِبَتْ بَعْدَمَا رَجَعَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِلَى الطَّرِيقِ. قَالَ: إنْ كَانَ تَعَدِّيهِ ذَلِكَ مِثْلَ مَنَازِلِ النَّاسِ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ جَاوَزَ ذَلِكَ مِثْلَ الْمِيلِ وَالْمِيلَيْنِ فَأَرَاهُ ضَامِنًا.

[فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا يَسْتَعِيرُ لَهُ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ فَاسْتَعَارَهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ]

َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ بَعَثْتُ رَسُولًا إلَى رَجُلٍ لِيُعَيِّرَنِي دَابَّتَهُ إلَى بَرْقَةَ، فَجَاءَهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ فُلَانٌ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ إلَى فِلَسْطِينَ. وَأَعْطَاهُ الدَّابَّةَ فَجَاءَنِي بِهَا فَرَكِبْتُهَا فَعَطِبَتْ أَوْ مَاتَتْ تَحْتِي، فَقَالَ الرَّسُولُ: قَدْ كَذَبْتُ فِيمَا بَيْنَهُمَا؟

قَالَ: الرَّسُولُ ضَامِنٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي اسْتَعَارَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا تَعَدَّى بِهِ الرَّسُولُ.

قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ الرَّسُولُ: لَا وَاَللَّهِ مَا أَمَرْتَنِي أَنْ أَسْتَعِيرَ لَكَ إلَّا إلَى فِلَسْطِينَ. وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ: بَلْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَقُولَ إلَى بَرْقَةَ؟

قَالَ: لَا يَكُونُ الرَّسُولُ هَهُنَا شَاهِدًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يُزَوِّجَاهُ امْرَأَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الصَّدَاقِ فَقَالَا: أَمَرْتَنَا بِكَذَا وَكَذَا. وَقَالَ الزَّوْجُ: بَلْ أَمَرْتُكُمَا بِكَذَا وَكَذَا، لِمَا دُونَ ذَلِكَ. لَمْ يَجُزْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ وَيَكُونُ الْمُسْتَعِيرُ هَهُنَا ضَامِنًا إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا زَعَمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ الرَّسُولَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا رَكِبَ دَابَّتِي إلَى فِلَسْطِينَ، فَقُلْتُ: أَكْرَيْتُهَا مِنْكَ وَقَالَ: بَلْ أَعَرْتنِيهَا؟

قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الدَّابَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلُهُ يُكْرِي الدَّوَابَّ، مِثْلُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ الْمَنْزِلَةِ الَّذِي لَهُ الْقَدْرُ وَالْغِنَى وَهَذَا رَأْيِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>