أَرَأَيْتَ إذَا قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا - وَلَهُ وَرَثَةٌ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ - فَقَالَ الرِّجَالُ: نَحْنُ نَعْفُو. وَقَالَ النِّسَاءُ: نَحْنُ نَقْتُلُ؟ قَالَ: إنْ كَانُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ، فَعَفْوُ الْبَنِينَ جَائِزٌ عَلَى الْبَنَاتِ، وَلَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ مَعَ الْبَنِينَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ إذَا كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي قَرَابَتِهِمْ إلَى الْمَيِّتِ، هُمْ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. وَإِذَا كَانُوا إخْوَةً وَبَنَاتٍ فَعَفَا الْإِخْوَةُ وَقَالَ الْبَنَاتُ: نَحْنُ نَقْتُلُ فَذَلِكَ لَهُنَّ. وَإِنْ عَفَا الْبَنَاتُ وَقَالَ الْإِخْوَةُ: نَحْنُ نَقْتُلُ. فَذَلِكَ لَهُمْ. وَإِنْ كَانُوا أَخَوَاتٍ وَعَصَبَةً فَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْهُمْ. وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ كَانَ أَوْلَى بِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ كُنَّ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَإِخْوَةً لِأَبٍ، فَعَفَا الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَقَالَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ: نَحْنُ نَقْتُلُ؟ قَالَ: الْأَخَوَاتُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ، وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْهُمْ. لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ عَصَبَةٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، هَذَا رَأْيِي.
[الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ وَفِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا]
مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ وَفِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا أَوْصَى الْمَقْتُولُ بِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ، أَتَدْخُلُ الدِّيَةُ فِي ثُلُثِهِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أُدْخِلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي مَالِهِ وَفِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ مَالٌ. وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا فَقَبِلَ الْأَوْلِيَاءُ الدِّيَةَ، لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مِنْهَا شَيْءٌ، وَكَانَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَكُونُ أَهْلُ الدَّيْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ، إنْ كَانَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ - وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ - فَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ خَطَأً، أَيَكُونُ لِأَهْلِ الْوَصَايَا الَّذِينَ أُوصِيَ لَهُمْ بِالثُّلُثِ قَبْلَ الْقَتْلِ فِي الدِّيَةِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَحْمِلُ ثُلُثَهُ تِلْكَ الْوَصَايَا ثُمَّ وَرِثَ مَالًا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَلِمَ بِالْمِيرَاثِ فَالْوَصِيَّةُ فِي مَالِهِ وَفِي الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمِيرَاثِ فَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا مِنْ هَذَا الْمِيرَاثِ. فَكَذَلِكَ الْمَقْتُولُ خَطَأً، إنْ كَانَ قَتَلَهُ بِشَيْءٍ اخْتَلَسَ نَفْسَهُ اخْتِلَاسًا، لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الضَّرْبَةِ حَيَاةٌ يَعْرِفُ بِهَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الْوَصَايَا فِي دِيَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَعْدَ الضَّرْبَةِ مِنْ عَقْلِهِ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَا هُوَ فِيهِ، فَأَقَرَّ الْوَصَايَا وَلَمْ يُغَيِّرْهَا، فَإِنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا يَدْخُلُونَ فِي دِيَتِهِ، وَهَذَا رَأْيِي. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الدِّيَةِ إذَا قَتَلَ خَطَأً فَعَلِمَ بِالدِّيَةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا يَدْخُلُونَ فِي الدِّيَةِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ إلَّا ابْنَتُهُ وَأُخْتُهُ. فَقَالَتْ الْبِنْتُ: أَنَا أَقْتُلُ وَقَالَتْ الْأُخْتُ: أَنَا أَعْفُو. أَوْ قَالَتْ الْأُخْتُ: أَنَا أَقْتُلُ. وَقَالَتْ الِابْنَةُ: أَنَا أَعْفُو. وَكَيْفَ إنْ كَانَ هَذَا الْمَقْتُولُ قَدْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَتَكَلَّمَ، أَيَكُونُ لِلْأُخْتِ وَالْبِنْتِ أَنْ يُقْسِمَا وَيَسْتَحِقَّا دَمَهُ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ، أَيَبْطُلُ دَمُ هَذَا الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا مَاتَ مَكَانَهُ فَقَالَتْ الْبِنْتُ: أَنَا أَقْتُلُ. وَقَالَتْ الْأُخْتُ: أَنَا أَعْفُو. فَالْبِنْتُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ. وَإِنْ قَالَتْ الْبِنْتُ: أَنَا أَعْفُو. وَقَالَتْ الْأُخْتُ: أَنَا أَقْتُلُ. فَالِابْنَةُ أَيْضًا بِالْعَفْوِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ مِنْ الرِّجَالِ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هَكَذَا مِنْ قِبَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute