[فِي الرَّجُلِ يَحْبِسُ حَائِطَهُ فِي الصِّحَّةِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَبَسَ نَخْلَ حَائِطِهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي الصِّحَّةِ فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى مَاتَ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ وَصِيَّةٍ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ وَصِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يُوصِيَ بِإِنْفَاذِهَا فِي مَرَضِهِ فَتَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَوْ وَهَبَ هِبَةً عَلَى مَنْ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَرِضَ الْمُتَصَدِّقُ أَوْ الْوَاهِبُ، كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهَا وَكَانَتْ مَالَ الْوَارِثِ، وَكَذَلِكَ الْعَطَايَا وَالنِّحَلُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ نَبْهَانَ ذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالُوا: لَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ حَتَّى تُقْبَضَ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ وَمَسْرُوقٌ: وَلَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ إلَّا مَقْبُوضَةً ذَكَرَهُ أَشْهَلُ. وَإِنَّ يُونُسَ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَمْ يَقْبِضْهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، وَلَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ إلَّا بِقَبْضٍ. وَإِنَّ مَالِكًا وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ذَكَرَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَةً فَأَعْلَنَ بِهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَكَرُوا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحٍ الْكِنْدِيِّ وَابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَبُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ مِثْلَهُ.
قَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ أَحَقُّ مَنْ وَلِيَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ ذَكَرَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَوْلَادَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا، فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي بِيَدَيَّ لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إيَّاهُ. مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً لَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى تَكُونَ إنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ سَحْنُونٌ: أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَ عَائِشَةَ ابْنَتَهُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَمْ تَقْبِضْ ذَلِكَ حَتَّى حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ فَلَمْ يُجِزْ لَهَا ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا أَبْطَلَ عُمَرُ النِّحَلَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي مِثْلُهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَوَّزَهُ لِلصَّغِيرِ وَجَعَلَ الْأَبَ قَابِضًا لَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْمَوَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: مَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ النَّاسِ وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ. فَمَوْهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا صَاحِبُهَا إذَا لَمْ يُثْبِتْ. وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا. وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا