خَيْرَ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهُ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ، وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ لَا يَصْلُحُ بَيْعُهَا، فَهَذَا قَدْ اسْتَأْجَرَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
قُلْتُ: فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُبَاعُ جُلُودُ الْمَيْتَةِ دُبِغَتْ أَوْ لَمْ تُدْبَغْ وَلَا تُبَاعُ عَلَى حَالٍ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُصَلَّى عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَلَا تُلْبَسُ؟ قَالَ مَالِكٌ: وَالِاسْتِقَاءُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ وَلَسْت أُشَدِّدُ فِيهِ عَلَى غَيْرِي وَلَكِنِّي أَتَّقِيهِ فِي نَفْسِي خَاصَّةً وَلَا أُحَرِّمُهُ عَلَى النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَيُغَرْبَلُ عَلَيْهَا، فَهَذَا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَهَذَا الَّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجُلُودِهَا» .
قَالَ أَشْهَبُ: وَقَدْ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -: مَا حَرُمَ أَكْلُهُ حَرُمَ ثَمَنُهُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» .
[إجَارَةِ نَزْوِ الْفَحْلِ]
فِي إجَارَةِ نَزْوِ الْفَحْلِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت فَحْلًا لِإِنْزَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ تَيْسٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اسْتَأْجَرَهُ يُنْزِيهِ أَعْوَامًا مَعْرُوفَةً بِكَذَا وَكَذَا، فَهَذَا جَائِزٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ يُنْزِيهِ شَهْرًا بِكَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ يُنْزِيهِ حَتَّى تَعْلَقَ الرَّمَكَةَ فَذَلِكَ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ.
قُلْتُ: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ جَوَّزَ مَالِكٌ إجَارَةَ الْفَحْلِ قَدْ بَلَغَكَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَرِهُوهُ وَذَكَرُوهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ فِي الْقِيَاسِ قَالَ: إنَّمَا جَوَّزَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ النَّاسَ يُجِيزُونَهُ بَيْنَهُمْ فَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ مَالِكٌ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ تَيْسٌ يُطْرِقُهُ الْغَنَمَ وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ الْجُعْلَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي بَيْعِ ضَرْبِ الْحَمْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُحُولِ لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا إذَا كَانَ لَهُ أَجَلٌ يَنْتَهِي إلَيْهِ ضِرَابُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَضْمَنُ لَهُ اللِّقَاحَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى أَصْحَابِهَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طَرُوقَةِ جَمَلٍ تَحْمِلُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute