الْكِرَاءَ جَائِزٌ فِي النِّصْفِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الدَّابَّةِ جَائِزٌ، فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الدَّابَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ جَازَ الْكِرَاءُ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ فِيهِ الْبَيْعُ جَازَ فِيهِ الْكِرَاءُ.
قَالَ: وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَحُدُّ لَهُ الثَّمَرَةَ بِنِصْفِهَا قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَبِيعَ مِنْ ثَمَرَتِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَأْجِرَ بِهِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَ كُلَّ مَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ بِهِ وَجَازَ أَنْ يُكْرِيَ. قَالَ سَحْنُونٌ: مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ.
وَكُلُّ مَا يُوزَنُ وَيُكَالُ فَإِنَّ مَا يُوزَنُ وَيُكَالُ أَوْ يُعَدُّ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْرَى.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اكْتَرَى نِصْفَ دَارٍ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ نِصْفَ دَارٍ أَوْ سُدُسَ دَارٍ مُشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ؟
قَالَ: هُوَ جَائِزٌ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلَيْنِ يَكْتَرِيَانِ دَارًا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يُكْرِيَ نَصِيبَهُ مِنْهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ أَتَرَى لِشَرِيكِهِ فِيهَا شُفْعَةً؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ لَهُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا عِنْدِي الْبَيْعَ فَهَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ فِي نِصْفِ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْسُومٍ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ.
[الرَّجُلِ يُكْرِي دَارِهِ وَيَسْتَثْنِي رُبْعَهَا بِرُبْعِ الْكِرَاءِ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ]
فِي الرَّجُلِ يُكْرِي دَارِهِ وَيَسْتَثْنِي رُبْعَهَا بِرُبْعِ الْكِرَاءِ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْرَيْتُ مِنْكَ مَسَاكِنَ لِي وَاسْتَثْنَيْتُ رُبْعَ الْمَسَاكِنِ بِرُبْعِ الْكِرَاءِ أَوْ اسْتَثْنَيْتُ رُبْعَ الْمَسَاكِنِ بِغَيْرِ كِرَاءٍ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ:؟
قَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَبِيعُ الدَّارَ وَيَسْتَثْنِي ثُلُثَيْهَا أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا أَنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ رُبْعَهَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ بِأَصْلِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى لَفْظِهِمَا.
[الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا غَصْبًا]
فِي الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا غَصْبًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ دَارًا فَغَصَبَهَا رَجُلٌ أَوْ غَصَبَهَا السُّلْطَانُ؟
قَالَ: أَمَّا السُّلْطَانُ إذَا غَصَبَكَ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ - إنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُسَوِّدَةِ الَّذِينَ يَقْدَمُونَ بَعْضَ الْبُلْدَانِ فَيُخْرِجُونَ أَهْلَ الدُّورِ الَّذِينَ تَكَارَوْهَا يَسْكُنُونَهَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الدُّورِ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَالسُّلْطَانُ يُنْصِفُهُ لَوْ يُخَاصِمُهُ فِي ذَلِكَ فَأَقَامَ عَلَى الْغَصْبِ، وَلَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ لِيُنْصِفَهُ أَنَّ الْكِرَاءَ لَازِمٌ لَهُ، وَيَكُونُ قِيمَةُ كِرَاءِ الدَّارِ عَلَى الَّذِي غَصَبَهُ.
وَيَكُونُ الْكِرَاءُ لَازِمًا لِصَاحِبِ الدَّارِ عَلَى الْمُكْتَرِي.