للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْوُلَاةِ، أَتَرَى أَنْ يُطِيعَهُ إذَا أَمَرَهُ وَيَقْبَلَ قَوْلَهُ؟

قَالَ: نَعَمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ قَالَا لِرَجُلٍ: اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَإِنَّا قَدْ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ. أَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُمَا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ كَانَ يَضْرِبُ الْحُدُودَ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يَأْمُرُهُ فَيَضْرِبُ وَيُقِيمُهَا، وَيَأْمُرُ أَبُو بَكْرٍ بِالرَّجْمِ، وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَيُطِيعُهُمْ النَّاسُ يَرْجُمُونَ وَلَا يَكْشِفُونَ عَنْ الْبَيِّنَةِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْوَالِي فَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ يَعْدِلُ، قَدْ عَرَفَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَعْرِفَةِ الْإِمَامِ بِالسُّنَّةِ. فَلَا يَسَعُ النَّاسُ أَنْ يَكُفُّوا عَمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْكَشْفُ فِي الْبَيِّنَاتِ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ النَّاسِ، فَفِي هَذَا مَا يَكْتَفِي بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ جَوْرُهُ، فَإِنْ اتَّضَحَ لَك أَنَّهُ حَكَمَ بِحَقٍّ فِي حَدِّ اللَّهِ فِي صَوَابٍ مَعَ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي قَامَتْ فَافْعَلْ، وَلَا يَنْبَغِي إبْطَالُ الْحَدِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تُطِيعَهُ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّك تُجَاهِدُ مَعَهُمْ.

[كَشْفُ الْقَاضِي الْبَيِّنَاتِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا]

قُلْت: أَرَأَيْت أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ` فَقَالَ لَهُمْ الْقَاضِي: صِفُوا الزِّنَا. فَوَصَفَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ وَشَهِدُوا عَلَى رُؤْيَتِهِ، وَقَالَ الرَّابِعُ: رَأَيْتُهُ بَيْنَ فَخِذَيْهَا - وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الرُّؤْيَةِ - أَيُحَدُّونَ كُلُّهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ، وَيُعَاقَبُ الَّذِي قَالَ رَأَيْته بَيْنَ فَخِذَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى الزِّنَا.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ لَهُمْ الْقَاضِي: صِفُوا الزِّنَا. فَقَالُوا: لَا نَزِيدُ عَلَى هَذَا، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؟ قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَكْشِفُهُمْ الْإِمَامُ، فَإِنْ وَجَدَ فِي شَهَادَتِهِمْ مَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ دَرَأَهُ. قُلْت: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَكْشِفُوا شَهَادَتَهُمْ؟

قَالَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا بَعْدَ كَشْفِ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ رَأْيِي. قُلْت: فَإِنْ دَرَأَ الْإِمَامُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْحَدَّ، هَلْ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ هَهُنَا حِينَ أَبَوْا أَنْ يَكْشِفُوا شَهَادَتَهُمْ لَهُ، أَيُقِيمُ حَدَّ الْفِرْيَةِ عَلَى الشُّهُودِ؟

قَالَ: مَا سَمِعَتْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ إذَا دَرَأَ الْحَدَّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أُقِيمَ عَلَى الشُّهُودِ حَدُّ الْفِرْيَةِ.

قُلْت أَرَأَيْت أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا، أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْت: فَإِنْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يُقَامُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. قُلْت: فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ - وَهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ كَمَا ذَكَرْت لَك - أَتَحُدُّهُمْ حَدَّ الْفِرْيَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟

قَالَ: نَعَمْ، أَحُدُّهُمْ حَدَّ الْفِرْيَةِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ فِي رَأْيِي.

قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ وَاثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ رَجَمْتُهُ، وَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَاثْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ رَجَمْتُهُ، لِأَنَّ. الْحَدَّ قَدْ تَمَّ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَلَا يَرْجُمُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الشَّهَادَةَ أَرْبَعَةٌ بِأَبْدَانِهِمْ، أَوْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى جَمِيعِهِمْ. وَإِنْ تَفَرَّقُوا عَلَى مَا وَصَفْت لَك لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ وَلَا ثَلَاثَةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى الْوَاحِدِ اثْنَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>