للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

ِ قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى لِلْقَاضِي إذَا قَضَى بِقَضِيَّةٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَ مَا قَضَى بِهِ أَصْوَبُ مِمَّا قَضَى بِهِ، أَلَهُ أَنْ يَرُدَّ قَضِيَّتَهُ وَيَقْضِي بِمَا رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّتُهُ الْأُولَى مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ؟ قَالَ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مَا قَضَى بِهِ رَجَعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَرْجِعُ فِيمَا قَضَتْ بِهِ الْقُضَاةُ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلْقَاضِي، إذَا دَخَلَهُ وَهْمٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ ضَجَرٌ أَنْ يَقْضِيَ وَقَدْ دَخَلَهُ شَيْءٌ مَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكْثِرَ جِدًّا إذَا تَخَلَّطَ، يُرِيدُ بِهَذَا أَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَى نَفْسِهِ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ سَمِعْتَ مَالِكًا يَقُولُ: أَيْنَ يَقْضِي الْقَاضِي، أَفِي دَارِهِ أَمْ فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ.

قَالَ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ خَلْدَةَ وَقَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقْضِيَانِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَوَصَلَ إلَيْهِ الضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَإِذَا احْتَجَبَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ النَّاسُ.

قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: أَفَيَضْرِبُ الْقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: أَمَّا الْأَسْوَاطُ الْيَسِيرَةُ مِثْلُ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا الْحُدُودُ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلَا.

قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ مَالِكًا يَقُولُ: يَضْرِبُ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَلَى اللَّدَدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَضْرِبُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ أَلَدَّ وَأَنَّهُ ظَالِمٌ.

قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمْ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يَسْأَلُ فِي السِّرِّ عَنْهُمْ.

قُلْتُ: فَهَلْ يَقْبَلُ تَزْكِيَةَ وَاحِدٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ وَمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ مِنْ التَّزْكِيَةِ لِعَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي. قُلْتُ: وَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا زُكُّوا فِي السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ، أَيَكْتَفِي بِذَلِكَ مَالِكٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا زَكَّاهُ رَجُلَانِ أَجْزَأَهُ.

قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يُقِيلُ الشَّاهِدَ إذَا جَاءَ يَسْتَقِيلُ شَهَادَتَهُ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ فَلَا يُقِيلُهُ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَسْتَقِيلُ. وَأَمَّا إذَا اسْتَقَالَ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا شَكَّ فِي أَنَّهُ يُقَالُ وَلَا تَفْسُدُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ إذَا ادَّعَى الْوَهْمَ وَالشُّبْهَةَ، إلَّا أَنْ يُعْرَفَ مِنْهُ كَذِبٌ فِي شَهَادَتِهِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ فِي هَذِهِ وَفِيمَا يَسْتَقِيلُ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى خَطَّهُ فِي كِتَابٍ، عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَفِيهِ شَهَادَتُهُ بِخَطِّ نَفْسِهِ فَعَرَفَ خَطَّ نَفْسِهِ وَلَا يَذْكُرُ شَهَادَتَهُ تِلْكَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْهَدُ بِهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الشَّهَادَةَ وَيَذْكُرَهَا.

قُلْتُ: فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ هُوَ خَطَّ الْكِتَابَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ؟ قَالَ: هَكَذَا سَأَلْتُ مَالِكًا أَنَّهُ يَذْكُرُ الْكِتَابَ وَيَعْرِفُهُ وَلَا يَذْكُرُ الشَّهَادَةَ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَشْهَدُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>