بَيْنِي وَبَيْنَ شَرِيكِي مُذَارَعَةً ثُمَّ نَسْتَهِمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مُسَاهَمَةً إذَا كَانَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ مُخَاطَرَةً. وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُسَاهَمَةٍ يَأْخُذُ هَذَا نَاحِيَةً وَهَذَا نَاحِيَةً تَرَاضِيًا بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
[فِي قَسْمِ الدَّارِ الْغَائِبَةِ وَقَسْمِ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَالصِّغَارِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ دَارًا وَرِثْنَاهَا عَنْ رَجُلٍ - وَالدَّارُ غَائِبَةٌ عَنَّا بِبَلَدٍ مَنْ الْبُلْدَانِ - وَقَدْ وُصِفَتْ لَنَا الدَّارُ وَبُيُوتُهَا وَمَا فِيهَا مَنْ سَاحَتِهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَقْسِمَهَا عَلَى صِفَةِ مَا وَصَفُوهَا لَنَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَاحِيَتَهُ وَمَوْضِعَهُ وَمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْبُنْيَانِ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ الْغَائِبَةَ قَدْ تُبَاعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فِيهَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِيهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ دُورًا وَعَقَارًا وَأَمْوَالًا وَلَمْ يُوصِ، وَتَرَكَ وَرَثَةً كُلُّهُمْ غُيَّبٌ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا حَاضِرًا مَنْ الْوَرَثَةِ، فَأَرَادَ هَذَا الْحَاضِرُ أَنْ يَقْسِمَ هَذِهِ الدُّورَ وَالرِّبَاعَ وَالْعُرُوضَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ مَنْ الْعُرُوضِ وَنَصِيبَهُ مَنْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فَيُوَكِّلُ السُّلْطَانُ وَكِيلًا يَقْسِمُ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا، فَمَا صَارَ لِلْغَائِبِ عَزَلَهُ لَهُ السُّلْطَانُ وَأَحْرَزَهُ لَهُ.
قَالَ: وَعَنْ هَذَا بِعَيْنِهِ سَأَلْتُ مَالِكًا فَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ لَكَ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى - وَالْوَرَثَةُ غُيَّبٌ كُلُّهُمْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَأَرَادَ الْحَاضِرُ أَنْ يَقْسِمَ نَصِيبَهُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَيَكُونُ الْوَصِيُّ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ السُّلْطَانِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْغُيَّبُ كِبَارًا كُلُّهُمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَصِيُّ لَهُمْ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى يُقَاسِمَهُ لَهُمْ. وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ الْغُيَّبُ صِغَارًا كُلُّهُمْ جَازَتْ مُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ حَلَفَتْ لِإِخْوَتِهَا لَتُقَاسِمَنَّهُمْ دَارًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهَا إخْوَتُهَا: أَمَّا إذَا حَلَفْت فَنَحْنٌ نُقَاسِمُكِ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تَرْفَعَ هَذَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَقْسِمُ لَهَا.
قُلْتُ: لِمَ قَالَ مَالِكٌ هَذَا؟
قَالَ: خَوْفًا مِنْ الدُّلْسَةِ فَتَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ كَبِيرٌ مِنْ الْوَرَثَةِ غَائِبًا وَجَمِيعُ الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَهُمْ حُضُورٌ عِنْدَ الْوَصِيِّ، أَيَقْسِمُ الْوَصِيُّ الدَّارَ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا: لَا يَقْسِمُ الْوَصِيُّ لِلْغَائِبِ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْكَبِيرِ فَيَحُوزُهُ لَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الصِّغَارُ غُيَّبًا وَالْكَبِيرُ حَاضِرًا، فَأَرَادَ الْكَبِيرُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَصِيَّ، أَوْ الْوَصِيُّ أَرَادَ أَنْ يُقَاسِمَ الْكَبِيرَ لِلْأَصَاغِرِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْكَبِيرُ حَاضِرًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَغِيبِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ حَاضِرًا. قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحَمَّامِ وَالْجِدَارِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، أَيُقْسَمُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْحَمَّامِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: إنَّهُ يُقْسَمُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الْجِدَارِ