للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعَجَّلْ بِقَضَاءِ مَنْ حَضَرَ، وَأُوقِفَ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ، وَيَجْتَمِعَ أَهْلُ دَيْنِهِ، أَوْ يُعْرَفُوا فَيُضْرَبُ لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ، فَهَذَا أَعْدَلُ رِوَايَتِهِمْ عَنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ غُرَمَاءُ لَهُ، فَفَلَّسَ هَذَا الْمِدْيَانَ بَعْضُ غُرَمَائِهِ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ مَنْ بَقِيَ مَنْ الْغُرَمَاءِ، وَهُمْ فِي الْمِصْرِ قَدْ عَلِمُوا بِهِ حِينَ فُلِّسَ، فَقَامُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ اقْتَضَوْا حُقُوقَهُمْ، أَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ فَيُحَاصُّوهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ عَبْدَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمُوا بِالْعِتْقِ، فَلَمْ يَقُومُوا عَلَيْهِ حِينَ أَعْتَقَ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ لَهُمْ الْعِتْقَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْقِيَامَ عَلَيْهِ حِينَ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَقَدْ عَلِمُوا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَ تَرَكُوا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ عِنْدَمَا فُلِّسَ وَهُمْ حُضُورٌ، وَقَدْ عَلِمُوا بِالتَّفْلِيسِ، فَقَدْ رَضُوا أَنْ يَكُونَ حَقُّهُمْ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَرَضُوا أَنْ يَتْرُكُوا الْمُحَاصَّةَ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخَذُوا الْمَالَ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُوَقِّفُ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضُرِبَ عَلَى يَدَيْهِ وَوُقِّفَ لِيُقَسَّمَ مَالُهُ، وَالْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ سَوَاءٌ، إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْ الْحَاضِرِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِحَقِّهِ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، وَرَاضٍ بِاقْتِضَاءِ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ.

[فِي الْمُفْلِسِ يُقِرُّ بِالدَّيْنِ لِرَجُلٍ]

ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ، بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ، أَيَتَحَاصُّونَ فِي مَالِهِ؟

قَالَ: إنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِوَارِثٍ، أَوْ لِذِي قَرَابَةٍ أَوْ لِصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ دُيُونُهُمْ بِبَيِّنَةٍ وَاَلَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ فِي الصِّحَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَلَوْ فُلِّسَ، وَلِقَوْمٍ عَلَيْهِ حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ التَّفْلِيسِ بِدَيْنٍ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ، وَلَوْ أَقَرَّ لِقَوْمٍ قَبْلَ التَّفْلِيسِ تَحَاصَّ الَّذِينَ لَهُمْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ فَفَلَّسُوهُ، فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ. قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ، فَلَا شَيْءَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ.

قُلْتُ: وَيَتَحَاصُّ أَهْلُ الدَّيْنِ فِي مَالِهِ هَذَا دُونَ الْمُقَرِّ لَهُ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا وَقَدْ بَقِيَ لِأَهْلِ الدُّيُونِ بَقِيَّةٌ مِنْ دَيْنِهِمْ أَيَضْرِبُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ هَهُنَا مَوْضِعُ تُهْمَةٍ، إنَّمَا كَانَتْ التُّهْمَةُ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ؟

قُلْتُ: فَإِنْ أَفَادَ مَالًا بَعْدَمَا فَلَّسُوهُ، فَلَمْ يَقُمْ الْغُرَمَاءُ وَلَا هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى مَا أَفَادَ مِنْ الْمَالِ، حَتَّى أَقَرَّ لِرَجُلٍ آخَرَ بِدَيْنٍ، أَيَجُوزُ إقْرَارُهُ لَهُ بِالدَّيْنِ أَمْ لَا؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى إقْرَارَهُ لِهَذَا بِالدَّيْنِ بَعْدَ التَّفْلِيسِ جَائِزًا، إذَا أَقَرَّ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الْغُرَمَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>