للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ لَهُمْ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ، وَاَلَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ الْمُفْلِسُ أَوَّلًا عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ فَيُفَلِّسُونَهُ ثَانِيَةً، فَأَرَى أَنَّ هَذَا الْآخَرَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ، أَوْلَى بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدَيْهِ مَالٌ حَادِثٌ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْ عُومِلَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ الْأَوَّلِ وَبَاعَ وَاشْتَرَى وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْلِسِ إذَا دَايَنَ النَّاسَ بَعْدَ التَّفْلِيسِ، ثُمَّ فُلِّسَ ثَانِيَةً فَاَلَّذِينَ دَايَنُوهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ أَوْلَى بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَالُهُمْ. فَإِقْرَارُهُ فِيمَا أَفَادَ بَعْدَمَا فُلِّسَ بِدَيْنٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَفَادَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ التَّفْلِيسِ، مِنْ صِلَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ جِنَايَةٍ جُنِيَتْ عَلَيْهِ، ضَرَبَ أَهْلُ التَّفْلِيسِ الْأَوَّلِ بِمَا بَقِيَ لَهُمْ، وَمَنْ أَقَرَّ لَهُمْ فِي الْمَالِ الْمُفَادِ.

قُلْتُ: فَلِمَ أَجَزْتَ إقْرَارَهُ وَأَنْتَ لَا تُجِيزُ هِبَتَهُ وَلَا صَدَقَتَهُ؟

قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الْمِدْيَانَ مَا لَمْ يُفَلَّسْ، لَوْ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَإِنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِبَيِّنَةٍ، فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ.

وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ مَا لَمْ يُفَلَّسْ. فَكَذَلِكَ إذَا فُلِّسَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ بَعْدَ التَّفْلِيسِ قَبْلَ أَنْ يُفَلَّسَ الثَّانِيَةَ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ بِبَيِّنَةٍ. وَلَا تَجُوزُ صَدَقَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا عِتْقُهُ وَهُوَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ الرَّجُلِ الْمِدْيَانِ إذَا كَانَ لَا وَفَاءَ لَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا سَجَنَهُ السُّلْطَانُ فَأَقَرَّ فِي السِّجْنِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ، أَيَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: إذَا صَنَعَ بِهِ غُرَمَاؤُهُ هَذَا، وَرَفَعُوهُ إلَى السُّلْطَانِ وَقَامُوا عَلَيْهِ حَتَّى سَجَنُوهُ، فَهَذَا وَجْهُ التَّفْلِيسِ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا فُلِّسَ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ.

قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّفْلِيسِ، فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ.

قُلْتُ: وَيَبِيعُ السُّلْطَانُ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَالٍ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ أَمْرُهُ، فَتَتَوَزَّعُ الْغُرَمَاءُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ، وَيَسْجُنُهُ فِي الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، إذَا عَرَفَ مِنْهُ وَجْهَ الْإِلْدَادِ الَّذِي وَصَفْتَ لِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: كَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولُ فِي الْحُرِّ يُفْلِسُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعٌ وَلَا عَتَاقَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا اعْتِرَافٌ بِدَيْنٍ وَلَا بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَهُ.

قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: كَانَ شُرَيْحٌ يَقْضِي بِهِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: وَإِنْ قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَتَرَكَ بَعْضًا جَازَ لَهُ، وَإِنْ رَهَنَ رَهْنًا جَازَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ غُرَمَاؤُهُ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ إذَا تَبَيَّنَ فَلَسُهُ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ غُرَمَاؤُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَلَا يَرْهَنَهُ.

[فِي الرَّجُلِ يُفْلِسُ وَبَعْضُ غُرَمَائِهِ غُيَّبٌ]

ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا فُلِّسَ الرَّجُلُ وَلِقَوْمٍ غُيَّبٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيَعْزِلُ الْقَاضِي أَنْصِبَاءَهُمْ أَمْ لَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>