للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَهَابُ يَدٍ مَنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا فَأَرَادَ سَيِّدُهَا أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ؟

قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَيُسَلِّمُ الْجَارِيَةَ.

قُلْتُ: لِمَ؟

قَالَ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ كَانَ ضَامِنًا لَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، فَمَا أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ فَلَيْسَ الْغَاصِبُ بِضَامِنٍ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ الَّتِي كَانَ لَهَا ضَامِنًا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَصَابَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا أَنْ لَوْ مَاتَتْ. فَأَمَّا إذَا أَصَابَهَا عَيْبٌ مِنْ ذَهَابِ عَيْنٍ أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِرَبِّهَا خُذْ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبَتِهَا، أَوْ خُذْ جَارِيَتَكَ وَلَا شَيْءَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ.

قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: لَا أَغْرَمُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ، فَخُذْهَا مِنِّي وَخُذْ مِنِّي مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ عِنْدِي، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؟

قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا صَحِيحَةً بِحَالِ مَا أَخَذَهَا.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً يَوْمَ يَسْتَحِقُّهَا سَيِّدُهَا، إلَّا أَنَّ الْأَسْوَاقَ قَدْ حَالَتْ وَالْجَارِيَةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِزِيَادَةِ بَدَنٍ وَلَا نُقْصَانِ بَدَنٍ، أَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إذَا جَاءَ رَبُّهَا؟

قَالَ: لَا، وَلَا يُلْتَفَتُ فِي هَذَا إلَى حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَيُقَالُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ: خُذْ جَارِيَتَكَ وَلَا شَيْءَ لَكَ غَيْرَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهَا، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ مَا نَقَصَهَا الْقَطْعُ، وَيَأْخُذَ جَارِيَتَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ يَدَهَا جِنَايَةٌ مِنْهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهَا أَجْنَبِيٌّ مَنْ النَّاسِ فَهَرَبَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، فَأَتَى رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ وَيُضَمِّنَ الْغَاصِبَ مَا نَقَصَهَا؟

قَالَ: لَا، لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ وَيَتْبَعَ الْجَانِي إنْ أَحَبَّ، أَوْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا مِنْ الْغَاصِبِ، وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِي بِمَا جَنَى عَلَيْهَا.

[فِيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ أَوْ غَنَمًا فَتَوَالَدَتْ]

ْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ إبِلًا، فَأَثْمَرَتْ الشَّجَرُ عِنْدِي وَتَوَالَدَتْ الْغَنَمُ أَوْ الْإِبِلُ، فَجَزَزْتُ أَصْوَافَهَا وَشَرِبْت أَلْبَانَهَا وَأَكَلْت سُمُونَهَا وَجُبْنَهَا، ثُمَّ قَدِمَ رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي مَا أَكَلْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَأْخُذَهَا مِنِّي بِأَعْيَانِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَكِيلَتِهِ أَوْ وَزْنِهِ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ، أَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ مَا أَكَلْتُ مِنْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ دَابَّةً أَوْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُمُّ، فَأَرَادَ رَبُّهَا أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهَا وَقِيمَةُ الْأُمِّ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ. وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ الْأُمِّ وَيُسَلِّمُ الْأَوْلَادَ أَوْ يَأْخُذَ الْأَوْلَادَ، وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْأُمَّهَاتِ. فَكَذَلِكَ مَا أَكَلَ أَوْ بَاعَ إذَا مَاتَتْ أُمَّهَاتُهَا، فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ أُمَّهَاتِهَا أَوْ الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَ بِهِ، أَوْ قِيمَةُ مَا أَكَلَ. بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>