قَالَ: وَهَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ مِنْ الْإِقَالَةِ فِي أَمْرِ الْكِرَاءِ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْبُيُوعِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: وَإِذَا أَقَالَهُ وَكَانَ قَدْ نَقَدَهُ مِائَةَ دِينَارٍ كِرَاءَهُ كُلَّهُ فَأَقَالَهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ الْمُكْتَرِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُكْرِي إلَى الْمُكْتَرِي الْمِائَةَ الدِّينَارِ الَّتِي أَخَذَهَا؟
قَالَ: فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُتَكَارِي الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي يَزِيدُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا مِنْ الْمِائَةِ الدِّينَارِ الَّتِي يَأْخُذُهَا مُقَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ دَنَانِيرُ وَعُرُوضٌ بِدَنَانِيرَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُكْتَرِي رُكُوبَهُ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَا يَجُوزُ هَذَا، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمِائَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهَذَا لَا يَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أَقَالَهُ مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى أَنْ وَضَعَ الْمُكْتَرِي عَنْ الْكَرِيِّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ أَمْرِ الْكَرِيِّ وَالْمُتَكَارِي كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا تَفْسِيرَ إذَا زَادَ الْمُكْتَرِي الْكَرِيَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ الَّتِي يَأْخُذُهَا فَإِنَّهُ رَأْيِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَزِيدُ الْكَرِيُّ الْمُتَكَارِيَ - إذَا غَابَ عَلَى النَّقْدِ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَلَا بَعْدَهُ - الْقَلِيلَ مِنْهُ وَلَا الْكَثِيرَ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً.
[تَفْلِيسِ الْمُكْتَرِي]
مَا جَاءَ فِي تَفْلِيسِ الْمُكْتَرِي قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ دَابَّةً عَلَى حُمُولَةٍ اكْتَرَيْتُهَا لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَى مَكَّةَ فَعَرَضَ لِي غَرِيمٌ فِي بَعْضِ الْمَنَاهِلِ فَأَرَادَ أَخْذَ الْمَتَاعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْكَرِيُّ أَوْلَى بِالْمَتَاعِ الَّذِي مَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى يَقْبِضَ حَقَّهُ، وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَكْرُوهُ فِي مِثْلِ مَا حَمَلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكْرَى إلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: اضْرِبْ فِي هَذَا الْمَتَاعِ بِقَدْرِ كِرَائِكَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلْتَهُ إلَيْهِ وَقَالَ الْمُكْرِي: لَا وَلَكِنْ أَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ إلَى مَكَّةَ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ وَالْمُكْرِي أَوْلَى بِجَمِيعِ مَا حَمَلَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ كِرَائِهِ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ إلَّا مَنْهَلًا وَاحِدًا، وَإِنْ قَبَضَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُونَ وَالْقَصَّارُونَ وَالْحَدَّادُونَ وَالصَّاغَةُ وَأَهْلُ الْأَعْمَالِ بِأَيْدِيهِمْ إذَا قَبَضُوا الْمَتَاعَ فَفَلَّسَ رَبُّ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، وَلَمْ يُعْطُوا فِيهِ شَيْئًا فَهُمْ أَوْلَى بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى يَقْبِضُوا مِنْهُ جَمِيعَ حُقُوقِهِمْ وَيَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute