للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَطَلَ السَّلَمُ وَرَجَعَ بِطَعَامِهِ أَوْ بِمِثْلِ طَعَامِهِ؟

قَالَ: لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إنَّمَا هِيَ عَيْنٌ وَأَثْمَانٌ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَيْنِهَا بِدَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا، فَاسْتُحِقَّتْ. الدَّرَاهِمُ مِنْ يَدِهِ، أَنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَلَا يَنْتَقِصُ الْبَيْعُ. وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ، فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَى السِّلْعَتَيْنِ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ، رَجَعَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي لَمْ تُسْتَحَقَّ فِي سِلْعَتِهِ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَحَقَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ السِّلْعَةُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي لَمْ تُسْتَحَقَّ قَدْ دَخَلَهَا تَغْيِيرٌ فِي بَدَنِهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَغَيُّرِ سُوقٍ، بِغَلَاءِ تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ رَخُصَتْ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ تَبَايَعَا، مَضَى الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ سِلْعَتِهِ الَّتِي تَغَيَّرَتْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَمَّ. وَلَيْسَ يُشْبِهُ السِّلَعَ فِي هَذَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، فَكَذَلِكَ هَذَا فِي السَّلَمِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ أَيْضًا فَرْقُ مَا بَيْنَ السِّلَعِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الْأَثْمَانِ، أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ، إنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا. وَمِثْلُ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ، فَإِنَّمَا يَقَعُ الْبَيْعُ عَلَى السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا وَعَلَى دَرَاهِمَ لَيْسَتْ بِأَعْيَانِهَا، فَلِذَلِكَ لَمَّا اُسْتُحِقَّتْ الدَّرَاهِمُ رَجَعَ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَلَمْ يَنْتَقِضْ السَّلَمُ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت سِلْعَةً فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَبَضْت الطَّعَامَ، فَاسْتُحِقَّ الطَّعَامُ مِنْ يَدَيَّ، أَيَنْتَقِضُ السَّلَفُ وَأَرْجِعُ فِي سِلْعَتِي، أَمْ يَكُونُ لِي طَعَامٌ مِثْلُ طَعَامِي وَلَا يَنْتَقِضُ السَّلَفُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَكُونُ لَك طَعَامٌ مِثْلُ طَعَامِك، تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَلَا يَنْتَقِضُ السَّلَفُ، وَالسَّلَفُ إنَّمَا كَانَ دَيْنًا اقْتَضَيْته، فَلَمَّا اُسْتُحِقَّ رَجَعْت بِدَيْنِك عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَقِضْ مَا كَانَ بَيْنَكُمَا مِنْ السَّلَفِ، فَهَذَا وَالدَّرَاهِمُ إذَا كَانَتْ ثَمَنًا فَاسْتُحِقَّتْ سَوَاءٌ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَفْت شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، أَوْ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا، فِي سِلْعَةٍ مِنْ السِّلَعِ مَوْصُوفَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَاسْتُحِقَّ رَأْسَ الْمَالِ، أَيَبْطُلُ السَّلَمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ .

قَالَ: أَرَى أَنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا.

قَالَ: وَأَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ طَعَامًا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ أَوْ لَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ، فَإِنَّ السَّلَمَ يَنْتَقِضُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ كَيْلِهِ وَلَا وَزْنِهِ. وَمِمَّا يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا فِي السَّلَمِ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ طَعَامًا، إنْ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُلْزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمِثْلِهِ.

[ابْتَاعَ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَهَب لَهُ الْبَائِع هِبَة فَاسْتَحَقَّ السِّلْعَةَ وَقَدْ فَاتَتْ الْهِبَة]

فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ هِبَةً فَاسْتَحَقَّ السِّلْعَةَ وَقَدْ فَاتَتْ الْهِبَةُ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً، عَلَى أَنْ يَهَبَ لِي الْبَائِعُ هِبَةً أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلِيّ بِصَدَقَةٍ؟

قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الَّذِي يَهَبُ لَك أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْك شَيْئًا

<<  <  ج: ص:  >  >>