للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَائِعُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ؟

قَالَ: نَعَمْ هُوَ سَوَاءٌ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا بِأَلْفَيْنِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، وَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِأَلْفَيْنِ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَهَبَ لِرَجُلٍ شِقْصًا فِي دَارٍ لَهُ لِلثَّوَابِ، وَلَمْ يُثِبْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّوَابِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ لَهُ حَتَّى يُثِيبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ رَبَّ الدَّارِ، فَمَسْأَلَتُك تُشْبِهُ هَذَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهِ. قُلْت: وَلِمَ أَجَازَ مَالِكٌ الْهِبَةَ بِغَيْرِ ثَوَابٍ مُسَمًّى؟

قَالَ: أَجَازَهُ النَّاسُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ فِي النِّكَاحِ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَائِزًا، وَلَكِنْ أَجَازَهُ النَّاسُ. فَمَسْأَلَتُك أَيْضًا فِي الشِّرَاءِ، لَا أَرَى فِيهَا الشُّفْعَةَ، مِثْلَ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْهِبَةِ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي وَيَجِبَ لَهُ الِاشْتِرَاءُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْبَيِّعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا: «فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ» . فَقَدْ رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَارَ غَيْرَ بَيْعٍ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ آخِذُ الشُّفْعَةِ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهَهُنَا لَمْ تَقَعْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَالْبَائِعُ إنَّمَا رَضِيَ أَنْ تَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَرْضَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ لِلشَّفِيعِ عُهْدَةٌ وَلَمْ يُرِدْ مُبَايَعَتَهُ.

[بَابٌ اشْتَرَى شِقْصًا فَقَاسَمَ شُرَكَاءَهُ ثُمَّ قَدِمَ الشَّفِيعُ]

ُ قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ، لَهَا شَفِيعٌ غَائِبٌ فَقَاسَمَ شُرَكَاءَهُ ثُمَّ قَدِمَ الشَّفِيعُ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَأَرُدُّ الْقِسْمَةَ؟

قَالَ: ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ بَاعَ لَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ بَيْعَهُ، فَكَذَلِكَ مُقَاسَمَتُهُ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ يَرُدُّ الْبَيْعَ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ الثَّانِي، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقِسْمَةَ.

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ وَهْبَ مَا اشْتَرَى مَنْ الدَّارِ فَقَدِمَ الشَّفِيعُ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ. لِمَنْ يَكُونُ هَذَا الثَّمَنُ، لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَمْ لِلْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا اُسْتُحِقَّ، وَلَا مَا كَانَ حُرًّا مِنْ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ هَذَا حِينَ وَهَبَهُ، قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ، فَكَأَنَّهُ إنَّمَا وَهْبَ لَهُ الثَّمَنَ. وَاَلَّذِي اسْتَحَقَّ إنَّمَا وَهَبَهُ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَهَبَ لَهُ الثَّمَنَ، وَالْحُرِّيَّةُ كَذَلِكَ.

قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَبَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَدِمَ الشَّفِيعُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَيِّ الْأَثْمَانِ شَاءَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ، لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَيِّ ثَمَنٍ شَاءَ، إنْ شَاءَ بِمَا اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَيُفْسَخُ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بُيُوعِهِمَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ الثَّالِثُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّالِثِ وَتَثْبُتُ الْبُيُوعَ كُلُّهَا بَيْنَهُمْ.

قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَصَدَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>