أَصَابَ بِهِ الْعَيْبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَلْزَمُهُ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِاَلَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدَيْهِ فَيُشَارِكَهُ فِيهِ، فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، كَانَ حَظُّ صَاحِبِهِ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمَاهُ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا فِي حَظِّهِ نَخْلًا وَدُورًا وَرَقِيقًا وَحَيَوَانًا، وَأَخَذَ الْآخَرُ فِي حَظِّهِ بَزًّا وَعِطْرًا وَجَوْهَرًا، تَرَاضَيَا بِذَلِكَ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا فِي بَعْضِ مَا صَارَ لَهُ عَيْبًا، فَأَصَابَ ذَلِكَ فِي الْجَوْهَرِ وَحْدَهُ أَوْ فِي بَعْضِ الْعِطْرِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ مَا صَارَ لَهُ فِي نَصِيبِهِ، أَوْ يَرُدَّ هَذَا الَّذِي أَصَابَ بِهِ الْعَيْبَ وَحْدَهُ؟
قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ بِهِ الْعَيْبَ هُوَ وَجْهَ مَا صَارَ لَهُ؛ رَدَّ جَمِيعَهُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَدَّ ذَلِكَ وَحْدَهُ بِعَيْنِهِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
[مَا جَاءَ فِي الْحِنْطَةِ يَقْتَسِمَانِهَا فَيَجِدُ أَحَدُهُمَا بِحِنْطَتِهِ عَيْبًا]
قُلْتُ: قَالَ مَنْ فَخَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وِرْثَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ، وَطَحَنَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فِي حِنْطَتِهِ مَنْ عَفَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ، كَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: يَرُدُّ صَاحِبُهُ الَّذِي لَمْ يَطْحَنْ حِنْطَتَهُ إنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ أَخْرَجَ مَكِيلَتَهَا وَيُخْرِجُ هَذَا الَّذِي طَحَنَ حِنْطَتَهُ قِيمَةَ حِنْطَتِهِ الَّتِي طَحَنَ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا يُخْرِجُ هَذَا الَّذِي طَحَنَ حِنْطَتَهُ حِنْطَةً مِثْلَهَا مَعْفُونَةً مَعِيبَةً، فَتَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا إذَا وَجَدَ بِهَا الْمُشْتَرِي عَيْبًا وَقَدْ فَاتَتْ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهَا لَمْ يُخْرِجْ مِثْلَهَا، وَلِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً بِدَرَاهِمَ فَأَتْلَفَهَا فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي دَرَاهِمِهِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ رُدَّ حِنْطَةً مِثْلَهَا مَعْفُونَةً مَعِيبَةً؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا مَعْفُونَةٍ مَعِيبَةٍ، لَمْ يُحِطْ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا وَالْحَيَوَانُ كَذَلِكَ. وَهَذَا الَّذِي قَاسَمَ صَاحِبَهُ حِنْطَتَهُ وَطَحَنَهَا فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ طَحْنِ صَاحِبِهِ، إنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِنِصْفِ الْعَيْبِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ وَفَضْلٍ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَصْلُحُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ الَّتِي طَحَنَهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَهَا لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ، طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ فَاتَتْ عِنْدَهُ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُخْرِجُ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِمَعْرِفَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يُحَاطُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَرَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ، أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَهَا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الطَّعَامَ الْعَفِنَ بِالطَّعَامِ الْعَفِنِ، أَيَصْلُحُ هَذَا مِثْلًا بِمِثْلٍ؟ قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَفَنُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَفَنُ مُتَفَاوِتًا فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْقَمْحَانِ يَكُونُ فِيهِمَا مِنْ التِّبْنِ وَالتُّرَابِ الشَّيْءُ الْخَفِيفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute