لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ هَذَا الْكَفِيلُ؟
قَالَ: يَحْلِفُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ صَالَحْت مَنْ قَذَفَ لِرَجُلٍ عَلَى شِقْصٍ لِي فِي دَارٍ فَدَفَعْته إلَيْهِ، أَيَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ وَتَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى الصُّلْحَ فِي هَذَا جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ لَا عَفْوَ فِيهَا إذَا بَلَغَتْ السُّلْطَانَ، فَلَا يَصْلُحُ فِيهَا الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى السُّلْطَانِ، إنَّمَا فِيهَا الْعَفْوُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ بَلَغَتْ السُّلْطَانَ أُقِيمَ الْحَدُّ. وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَكَذَلِكَ الْمُحَارِبُ إذَا أَخَذَهُ قَوْمٌ وَلَهُمْ قِبَلَهُ دَمٌ قَدْ قَتَلَ وَلِيَّهُمْ، فَأَخَذُوهُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ، فَلَيْسَ عَفْوُهُمْ عَفْوًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحُوهُ مِنْ الدَّمِ عَلَى مَالٍ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَالْمَالُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ بَلَغُوا السُّلْطَانَ. قُلْت: تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ شَجَّنِي رَجُلٌ مُوضِحَتَيْنِ وَاحِدَةً عَمْدًا وَأُخْرَى خَطَأً فَصَالَحْته مِنْ ذَلِكَ عَلَى شِقْصٍ لَهُ فِي دَارٍ، فَأَرَادَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؟
قَالَ: يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِدِيَةِ مُوضِحَةٍ خَطَأً وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ، لِأَنِّي قَسَمْتُ الشِّقْصَ عَلَى الْمُوضِحَتَيْنِ، فَصَارَ نِصْفٌ هَهُنَا وَنِصْفٌ هَهُنَا، فَصَارَ مَا صَارَ لِلْخَطَأِ مِنْ ذَلِكَ مَالًا، وَمَا صَارَ مِنْ ذَلِكَ لِلْعَمْدِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنَّمَا صَارَ لِلْعَمْدِ نِصْفُ الشِّقْصِ. وَهَذَا مِثْلُ مَا أَخْبَرْتُك مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَفِي جِرَاحِ الْعَمْدِ: لَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ، إنَّمَا هُوَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ، إنَّمَا هُوَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، كَانَ فِيمَا صَارَ لِلْعَمْدِ قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ
[الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]
ِ قُلْت: أَرَأَيْت الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، هَلْ فِيهِ شُفْعَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُفْسَخُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فِي الدُّورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ: وَفِي الدُّورِ لَا أَرَى الْفَوْتَ فِيهَا وَإِنْ تَطَاوَلَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا الْفَوْتُ فِي الدُّورِ الْهَدْمُ وَالْبُنْيَانُ، فَإِذَا تَفَاوَتَتْ بِهَدْمٍ أَوْ بُنْيَانٍ كَانَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ رَدَّهَا. فَأَرَى الْآنَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ الْآنَ بَيْعًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهَا بُنْيَانًا لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ مَعَ الْقِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْهَدَمَتْ لَمْ يُوضَعْ لِلشَّفِيعِ مِنْ قَبْلِ الْهَدْمِ شَيْءٌ، وَقِيلَ لَهُ خُذْهَا بِقِيمَتِهَا الَّتِي لَزِمْت الْمُشْتَرِيَ أَوْ دَعْ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الشَّفِيعِ شُفْعَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَصِيرُ صَفْقَتُهُ مِثْلَ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَصَفْقَةُ الْمُشْتَرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute