قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَعْزِلُ الْقَاضِي أَنْصِبَاءَهُمْ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ ضَاعَ أَنْصِبَاءُ الْغُيَّبِ بَعْدَمَا عَزَلَهَا الْقَاضِي لَهُمْ، كَانَ ضَيَاعُهَا مِنْهُمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَ لَهُ غَرِيمٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ قَدِمَ، رَجَعَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الَّذِي أَخَذَ مِنْ نَصِيبِهِ الَّذِي يَصِيرُ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَفْلَسَهُ رَجُلَانِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلِرَجُلٍ غَائِبٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَيْضًا، وَلَمْ يُعْلَمْ بِالْغَائِبِ. فَفَلَّسُوا هَذَا الْغَرِيمَ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَقُسِّمَتْ الْمِائَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَأَخَذَ هَذَا خَمْسِينَ وَهَذَا خَمْسِينَ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَأَثْبَتَ دَيْنَهُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ لَهُ فِي الْمُحَاصَّةِ مِنْ الْمِائَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسِينَ، فَقَدْ أَخَذَ صَاحِبَاهُ فَضْلًا عَلَى حَقِّهِ سَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثَ دِرْهَمٍ، فَيَصِيرُ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثَ دِرْهَمٍ. فَيُقَالُ لَهُمَا: ادْفَعَا إلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا إلَّا ثُلُثَ دِرْهَمٍ مَا اسْتَفْضَلْتُمَاهُ بِهِ، وَهُوَ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ فِي الْمُحَاصَّةِ. فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا عَدِيمًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ هَذَا الَّذِي أَصَابَ مَلِيًّا، إلَّا سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا غَيْرَ ثُلُثٍ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ حَقِّهِ إنَّمَا أَتْلَفَهُ الْآخَرُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الَّذِي أَتْلَفَهُ يَتْبَعُهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يَمْرَضُ فَيُقِرُّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِأَجْنَبِيٍّ، وَبِدَيْنٍ لِابْنٍ لَهُ، وَقَدْ تَرَكَ بَنِينَ سِوَاهُ وَتَرَكَ مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَقَرَّ أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَلِابْنِهِ عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الْمِائَةِ، قَالَ: الِابْنُ وَالْأَجْنَبِيُّ يَتَحَاصَّانِ فِي الْمِائَةِ الدِّينَارِ، فَمَا صَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَخَذَهُ، وَمَا صَارَ لِلْوَارِثِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَهُ الْوَرَثَةُ كَانَ أَوْلَى بِهِ، وَإِلَّا كَانَ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ. وَإِنَّمَا يُحَاصُّ الْوَارِثُ الْأَجْنَبِيَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ حِينَ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا الْمِائَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ لَا يُقِرَّ لِلْأَجْنَبِيِّ لَفَعَلَ، فَلَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ هَهُنَا حُجَّةٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَقُولَ: أُقِرُّ عَنِّي بِالْمِائَةِ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ لَهُ أَنْ لَوْ كَانَ دَيْنُهُ بِبَيِّنَةٍ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ حُجَّةٌ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ.
[فِي الْمُفْلِسِ يُرِيدُ بَعْضُ غُرَمَائِهِ حَبْسَهُ وَتَفْلِيسَهُ وَيَأْبَى بَعْضُهُمْ]
ْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ نَسْجُنُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ لَا نَسْجُنُهُ، وَلَكِنَّا نَحْبِسُهُ بِطَلَبِ الْفَضْلِ حَتَّى يَقْضِيَنَا حُقُوقَنَا؟
قَالَ: إذَا تَبَيَّنَ الْإِلْدَادُ لِلسُّلْطَانِ، وَطَلَبَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْبِسَهُ لَهُ سَجْنُهُ، فَإِنْ شَاءَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَحْبِسُوهُ، أَنْ يَقُومُوا عَلَى حُقُوقِهِمْ فَيُحَاصُّوا هَذَا الْغَرِيمَ الَّذِي حَبَسَهُ فِي مَالِ الْمَحْبُوسِ الْمَطْلُوبِ فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا أَقَرُّوهُ فِي يَدَيْ الْمَطْلُوبِ، وَلَا يَكُونُ لِلْغَرِيمِ الَّذِي سَجَنَهُ وَأَخَذَ حَقَّهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الَّذِي رَدَّهُ أَصْحَابُهُ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ وَأَقَرُّوهُ، إلَّا أَنْ يُفِيدَ مَالًا غَيْرَهُ، أَوْ يَكُونُ فِيهِ رِبْحٌ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُونُ هُوَ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يُفِيدُهُ أُسْوَةً فِيمَا بَقِيَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute