للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَسَمْتهَا بَيْنَ مَنْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَهُمْ شَيْءٌ. قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْفَيْءِ أَيُسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ أَمْ يُفَضَّلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُفَضَّلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ حَتَّى يُغْنَوْا مِنْهُ.

[فِي قَسْمِ الْفَيْءِ مِنْ الْجِزْيَةِ وَجَائِزَةِ الْإِمَامِ]

ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ جِزْيَةَ جَمَاجِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَرَاجَ الْأَرَضِينَ مَا كَانَ مِنْهَا عَنْوَةً وَمَا صَالَحَ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، مَا يَصْنَعُ بِهَذَا الْخَرَاجِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ جِزْيَةٌ وَالْجِزْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَيْءٌ كُلُّهُ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ أَعْلَمْتُك مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَنْوَةِ، قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَمَنْ يُعْطَى هَذَا الْفَيْءُ وَفِيمَنْ يُوضَعُ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كُلِّ أَهْلِ بَلْدَةٍ افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً أَوْ صَالَحُوا عَلَيْهَا هُمْ أَحَقُّ بِهَا، يَقْسِمُ عَلَيْهِمْ وَيَبْدَأُ بِفُقَرَائِهِمْ حَتَّى يُغْنَوْا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِقَوْمٍ حَاجَةٌ، فَيَنْقُلَ مِنْهُمْ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَ أَهْلَهَا. يُرِيدُ مَا يُغْنِيهِمْ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ أَوْ الِاجْتِهَادِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يَخْرُجُ فَيْءُ قَوْمٍ إلَى غَيْرِهِمْ، قَالَ: وَرَأَيْت مَالِكًا يَأْخُذُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَصَاحِبَيْهِ إذْ وَلَّاهُمْ الْعِرَاقَ، حِينَ قَسَمَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفَ شَاةٍ وَلِلْآخَرِينَ رُبْعًا رُبْعًا فَكَانَ فِي كِتَابِ عُمَرَ إلَيْهِمْ: إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ فِي هَذَا الْمَالِ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ {ومَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦] .

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: يَبْدَأُ بِالْفُقَرَاءِ فِي هَذَا الْفَيْءِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ بِالسَّوَاءِ، إلَّا أَنْ يَرَى الْوَالِي أَنْ يَحْبِسَهُ لِنَوَائِبَ مِنْ نَوَائِبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ رَأَيْت ذَلِكَ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عَرَبِيُّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي عَمِلْت عَمَلًا وَإِنَّ صَاحِبِي عَمِلَ عَمَلًا وَإِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُلْحِقَنَّ أَسْفَلَ النَّاسِ بِأَعْلَاهُمْ.

قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، أُعْطِيهِ وَأَمْنَعُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاعِيًا أَوْ رَاعِيَةً بِعَدَنَ قَالَ: وَرَأَيْت مَالِكًا يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: قَدْ يُعْطِي الْوَالِي الرَّجُلَ يُجِيزُهُ لِأَمْرٍ يَرَاهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الدَّيْنِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الدَّيْنِ مِنْ الْوَالِي يُجِيزُهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِجَائِزَةٍ أَوْ لِأَمْرٍ يَرَاهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْجَائِزَةَ، فَلَا بَأْسَ عَلَى الْوَالِي بِجَائِزَةٍ مِثْلِ هَذَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا هَذَا الرَّجُلُ، قُلْتُ: أَيُعْطِي الْمَنْفُوسَ مِنْ هَذَا الْمَالِ؟

قَالَ: نَعَمْ قَدْ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ لَيْلَةً فَسَمِعَ صَبِيًّا يَبْكِي، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: مَا لَكُمْ لَا تُرْضِعُونَهُ؟ فَقَالَ أَهْلُهُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا يَفْرِضُ لِلْمَنْفُوسِ حَتَّى يُفْطَمَ وَإِنَّا فَطَمْنَاهُ، قَالَ: فَوَلَّى عُمَرُ وَهُوَ يَقُولُ كِدْت وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَنْ أَقْتُلَهُ، فَفَرَضَ لِلْمَنْفُوسِ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>