للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا حُرًّا جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً - وَعَلَى الْحُرِّ دَيْنٌ - أَنَّ الْجِنَايَةَ أَوْلَى بِالْعَبْدِ مِنْ دَيْنِ السَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَفْتَكَّهُ أَهْلُ الدَّيْنِ بِدِيَةِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا لَزِمَتْ رَقَبَةَ الْعَبْدِ، وَدَيْنُ السَّيِّدِ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ؟ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ أَوْلَى بِالْعَبْدِ مِنْ غُرَمَاءِ السَّيِّدِ، وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَفْتَكُّوهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْتَكَّهُ، فَكَذَلِكَ غُرَمَاؤُهُ ذَلِكَ لَهُمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ سَيِّدُ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي جَنَى، وَجِنَايَتُهُ مِمَّا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَ ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ؟ قَالَ: يَضْرِبُ فِي ثَمَنِ هَذَا الْعَبْدِ الْغُرَمَاءُ وَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ وَالدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

[الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ]

فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي كَاتَبْتُ عَبْدِي فَحَدَثَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ قَتَلْتُهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا؟ قَالَ: يُقَاصُّ الْوَلَدُ السَّيِّدَ بِقِيمَةِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ نُجُومِهِمْ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ وَفَضْلٌ؟

قَالَ: يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الْفَضْلَ مِنْ السَّيِّدِ، فَيَكُونُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَلَدِهِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْكِتَابَةِ - كَانُوا مِمَّنْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ مِمَّنْ حَدَثُوا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي السَّيِّدِ إذَا شَجَّ مُكَاتَبَهُ مُوضِحَةً، أَنَّهُ يُقَاصُّهُ بِهَا الْمُكَاتَبُ فِي آخِرِ نُجُومِهِ، وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ فَأَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ: أَنَّ وَلَدَهُ يُقَاصُّونَهُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ كَانَ لَهُمْ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَعَوْا فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ وَعَتَقُوا، فَسَيِّدُهُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى السَّيِّدِ فِي مُوضِحَةِ الْمُكَاتَبِ - فِي قَوْلِ مَالِكٍ - نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ مُكَاتَبًا عَلَى حَالِهِ فِي أَدَائِهِ وَقُوَّتِهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَةَ تَلِدُ وَلَدًا فِي كِتَابَتِهَا فَقَتَلَهُ السَّيِّدُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي مُكَاتَبٍ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً.

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُقَاصَّ لَهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ بِنِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ. فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا، أَنَّ السَّيِّدَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ كَانَ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْأُمُّ مِنْ فَضْلِ الْقِيمَةِ قَدْرَ مُوَرَّثِهَا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبَ قُوِّمَ عَلَى هَيْئَتِهِ فِي حَالِهِ وَمُلَائِهِ وَالْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.

قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَضَعَ فِي الثُّلُثِ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، قُوِّمَ عَلَى حَالِهِ وَهَيْئَتِهِ وَمِلَائِهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا فِي حُسْنِ أَدَائِهِ، وَقِلَّةِ ذَلِكَ وَكَثْرَتِهِ أَوْ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ مَا عَلَيْهِ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقَلَّ وُضِعَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلْتُ عَبْدِي أَوْ مُكَاتَبًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، أَيَلْزَمُنِي شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِمْ، فَلَمَّا قُتِلَ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ شَيْءٌ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ ذَهَبَتْ.

قُلْتُ: وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَتَهُ، أَيَكُونُ الدَّيْنُ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ - غُرَمَاءِ الْعَبْدِ - مِنْ جِرَاحِهِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُمْ ثَمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>