للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَرَى أَنْ يُرْجَأَ مَالُهُ وَسَرِيَّتُهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ كَانَ الْمَالُ مَالَهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ كَانَ فِي مَالِهِ حُكْمُ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أُكْرِهَ فَلَا نَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَلَا نَرَى إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَهُوَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إلَّا أَنْ يُوَرِّثَ وَارِثَهُ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] ، وَقَالَ {إلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨] .

ابْنُ وَهْبٍ قَالَ يُونُسُ وَقَالَ رَبِيعَةُ فِي رَجُلٍ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ قَالَ: مَالُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَهْلِهِ إذَا بَلَغَهُمْ أَنَّهُ تَنَصَّرَ، وَيُفَارِقُ امْرَأَتَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْت الْمُرْتَدَّ إذَا تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، أَيُقِيمُ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا ارْتَدَّ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ إذَا كُنَّ مُسْلِمَاتٍ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ إذَا كُنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ نِكَاحَهُ إيَّاهُنَّ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ لَا يَجُوزُ، رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ حِينَ ارْتَدَّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ إيَّاهُنَّ فِي حَالِ ارْتِدَادِهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُسْلِمَ يَكُونُ تَحْتَهُ الْيَهُودِيَّةُ فَيَرْتَدُّ الْمُسْلِمُ إلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيَفْسُدُ نِكَاحُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُرْتَدِّ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَأَنَا أَرَى فِي هَذَا أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ يَهُودِيَّةً كَانَتْ أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ مَا كَانَتْ.

[حُدُودُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ وَفَرَائِضُهُمَا]

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ أَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا كَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ النُّذُورِ وَمَا كَانَ ضَيَّعَ مِنْ الْفَرَائِضِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَالْحُدُودُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ مَرَضَ فِي رَمَضَانَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ أَيَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يَسْقُطُ عَنْهُ كُلُّ مَا وَجَبَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إلَّا الْحُدُودَ وَالْفِرْيَةَ وَالسَّرِقَةَ وَحُقُوقَ النَّاسِ، وَمَا كَانَ عَمِلَهُ كَافِرٌ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ حَجَّةً أُخْرَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ.

قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] فَحَجَّهُ مِنْ عَمَلِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، فَهَذَا يُخْبِرُك أَنَّ مَا فَعَلَ مِنْ الْفَرَائِضِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ، فَكَذَلِكَ مَا ضَيَّعَ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُ.

قُلْتُ: فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ أَيَأْتِي الْقَتْلُ عَلَى جَمِيعِ الْحُدُودِ الَّتِي عَلَيْهِ إلَّا الْفِرْيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>