أَيَسْقُطُ عَنْهُمْ مُلْكُ سَادَاتِهِمْ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى أَنْ يَسْقُطَ مُلْكُ سَادَاتِهِمْ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يَخْرُجُوا إلَيْنَا إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ خَرَجُوا سَقَطَ عَنْهُمْ مُلْكُ سَادَاتِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِلَالًا أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهُ، وَكَانَتْ الدَّارُ يَوْمئِذٍ دَارَ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ ظَاهِرَةً يَوْمئِذٍ، فَلَوْ كَانَ إسْلَامُ بِلَالٍ أَسْقَطَ مُلْكَ سَيِّدِهِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَلَكَانَ إذَا مَا صَنَعَ فِي اشْتِرَائِهِ إيَّاهُ إنَّمَا هُوَ فِدَاءٌ فَلَيْسَ هُوَ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ مَوْلَاهُ، وَأَمَّا الَّذِينَ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَمَا أَسْلَمُوا وَتَرَكُوا سَادَاتِهِمْ فِي دَارِ الشِّرْكِ، فَهَؤُلَاءِ قَدْ أَعْتَقَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُرُوجِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ عَبِيدٌ لِأَهْلِ الطَّائِفِ الَّذِينَ نَزَلُوا عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَسْلَمُوا وِسَادَاتُهُمْ فِي حِصْنِ الطَّائِفِ عَلَى الشِّرْكِ، فَأَعْتَقَهُمْ الْإِسْلَامُ وَخُرُوجهمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْت: أَمَّا بِلَالٌ فَإِنَّمَا أَعْتَقَهُ أَبُو بَكْرٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ أَحْكَامُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَيْسَ لَك فِي هَذَا حُجَّةٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ لَك حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَك أَنْ لَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظُهُورِ أَحْكَامِهِ، قَالَ: هِيَ حُجَّةٌ حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَنْقُضُهَا وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ جَاءَ مَا يَنْقُضُ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ خَرَجَ الْعَبِيدُ مُسْلِمِينَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وِسَادَاتُهُمْ مُسْلِمُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ سَادَاتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ رُدُّوا إلَيْهِمْ وَكَانُوا عَبِيدًا وَلَمْ يُعْتَقُوا.
وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَأَصَابُوا عَبِيدًا مُسْلِمِينَ وِسَادَاتُهُمْ مُشْرِكُونَ، كَانُوا أَحْرَارًا وَلَا يُرَدُّونَ إلَى سَادَاتِهِمْ إنْ أَسْلَمَ سَادَاتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ حِينَ دَخَلَ إلَيْهِمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُمْ خَرَجُوا إلَيْهِمْ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ سَادَاتِهِمْ قَبْلُ» .
[الْعَبْدِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَشْتَرِيه رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]
َ قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ عَبْدًا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَسْلَمَ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَاهُ، أَيَكُونُ رَقِيقًا لَهُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ قَوْلَ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، وَلَكِنِّي أَرَاهُ رَقِيقًا، لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُسْلِمْ سَيِّدُهُ وَهُوَ فِي دَارِ لِحَرْبِ وَالْعَبْدُ فِي يَدِهِ، كَانَ رَقِيقًا مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، فَإِذَا بَاعَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَيْنَا فَهُوَ رَقِيقٌ مِثْلَ مَا صَنَعَ مَوْلَى بِلَالٍ وَشِرَاءِ أَبِي بَكْرٍ بِلَالًا، قَالَ: وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ سَبَاهُ أَهْلُ الشِّرْكِ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إنَّهُ رَقِيقٌ، فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَوْلَاهُ حَرْبِيٌّ أَنَّهُ رَقِيقٌ، إنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ رَقِيقٌ لَهُ وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute