للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ سِلْعَةً، فَأَنْتَ إنْ قَوَّمْتَهَا بِالذَّهَبِ تَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ، وَإِنْ قَوَّمْتهَا بِالْفِضَّةِ بَلَغَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، أَتُقْطَعُ يَدُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ تُقْطَعُ عِنْدَ مَالِكٍ. وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِالدَّرَاهِمِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ السِّلْعَةُ، إنْ قَوَّمْتَهَا بِالذَّهَبِ بَلَغَتْ رُبْعَ دِينَارٍ وَإِنْ قَوَّمْتَهَا بِالْفِضَّةِ لَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ.

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي السِّلَعِ: لَا تُقْطَعُ فِيهَا إلَّا أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، قَلَّ الصَّرْفُ أَوْ كَثُرَ.

قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ سَرِقَةً فَقُوِّمَتْ بِدِرْهَمَيْنِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ لِانْخِفَاضِ الصَّرْفِ يَوْمَئِذٍ، أَتُقْطَعُ يَدُهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْطَعُ يَدُهُ حَتَّى تَبْلُغَ سَرِقَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ تُقْطَعُ فِي وَزْنِ رُبْعٍ دِينَارٍ فَصَاعِدًا إذَا سَرَقَ الذَّهَبَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ. وَإِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا طَالَ عَلَيَّ وَمَا نَسِيتُ الْقَطْعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ لَمْ أَقْطَعْهُ فِي وَزْنِ رُبْعِ دِينَارٍ ذَهَبًا، إذَا سَرَقَ الذَّهَبَ مَا قَطَعْتُهُ لَا فِي ثُلُثٍ وَلَا فِي نِصْفٍ وَلَا فِي الدِّينَارِ كُلِّهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. وَلَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، وَصَرْفُ النَّاسِ ثُلُثُ دِينَارٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، إنَّمَا صَرْفُهُمْ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ وَثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ رَجُلٌ سَرِقَةً فَرَفَعَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ النَّاسِ إلَى السُّلْطَانِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَتَاعُ غَائِبٌ أَيَقْطَعُهُ السُّلْطَانُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ يَنْتَظِرُ رَبَّ الْمَتَاعِ حَتَّى يَقْدَمَ؟ قَالَ: إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ سَرَقَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ. قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي أَوْثَقُ أَصْحَابِي عِنْدِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَسْكُنُ الشَّامَ وَلَهُ مَتَاعٌ بِمِصْرَ فَأَتَى رَجُلٌ فَسَرَقَ مَتَاعَهُ الَّذِي بِمِصْرَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ السَّارِقَ أَخَذَ الْمَتَاعَ سِرًّا فَقَالَ السَّارِقُ: صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ سُئِلَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ فَقَالَ: أَنَا أَرْسَلْتُهُ؟ فَقَالَ: لَا يُنْظَرُ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَتَقْطَعُ يَدُهُ.

وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُلْفَى مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَمَعَهُ الْمَتَاعُ فَيُؤْخَذُ فَيَقُولُ: فُلَانٌ أَرْسَلَنِي إلَى مَنْزِلِهِ فَأَخَذْتُ لَهُ هَذَا الْمَتَاعَ. قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي مَعَهُ الْمَتَاعُ يُعْرَفُ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَى رَبِّ الْمَتَاعِ وَيُشْبِهُ مَا قَالَ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ لَك. قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْتُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَلَا يُقْبَلَ.

قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَسْرِقُ فَيَعْفُو عَنْهُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُهُ إلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ أَرَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْفُوَ إنْ انْتَهَتْ إلَيْهِ الْحُدُودُ، وَلَيْسَ عَفْوُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِشَيْءٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا شُهِدَ عَلَى السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ، هَلْ يُحْبَسُ السَّارِقُ حَتَّى يُزَكَّى الشُّهُودُ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ الْقَاضِي، أَمْ يَكْفُلُهُ الْقَاضِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا يَكْفُلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ، وَلَيْسَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَفَالَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>