أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً، وَأَقْسَمَ الَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لَهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ هَذَا الَّذِي أَقَرَّ بِهَا. أَتَجْعَلُهَا عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا هِيَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكَ عَشَرَةُ رِجَالٍ فِي قَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً - وَهُمْ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى - أَتُجْعَلُ عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا وَقَعَ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَى عَشَرَةِ رِجَالٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى حَمَلَتْهُ عَنْهُمْ الْعَاقِلَةُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَنَى رَجُلٌ وَاحِدٌ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا - وَقَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ - فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِقَتْلِ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقَالَا: قَتَلَهُ فُلَانٌ مَعَنَا، قَالَ: أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أَقَرَّا، وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ اعْتِرَافًا لَا بِقَسَامَةٍ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ.
قُلْتُ: أَفَيُقْسِمُ وُلَاةُ الدَّمِ عَلَى الَّذِي قَالَا فِيهِ قَتَلَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَ هَذَيْنِ: قَتَلَهُ فُلَانٌ مَعَنَا لَوْثُ بَيِّنَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَةً تَامَّةً لَجَعَلْتُهَا بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَأَجَزْتُهَا كُلَّهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ وُلَاةُ الدَّمِ: نَحْنُ نُقْسِمُ عَلَيْكُمَا وَنَدَعُ هَذَا الْمُنْكَرَ. أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نُقْسِمُ عَلَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْقَسَامَةَ تَكُونُ إلَّا فِي الدِّيَةِ كَامِلَةً.
قَالَ سَحْنُونٌ: اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَخْزُومِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ اعْتِرَافًا وَلَا إقْرَارًا وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرَّيْنِ فِي أَمْوَالِهِمَا. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا: إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ مَعَنَا خَطَأً؛ لِأَنَّهُمَا يُرِيدَانِ أَنْ يَدْفَعَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بَعْضَ الْغُرْمِ بِشَهَادَتِهِمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ: إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، فَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ مَعِي. فَإِنْ كَانَ مَعَ إقْرَارِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ يَشْهَدُ عَلَى الْقَتْلِ خَطَأً، أَخْرَجَهُ الشَّاهِدُ مِنْ الْغُرْمِ وَالْإِقْرَارِ وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ مَعَ الشَّاهِدِ. ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: ١١] سُورَةُ الدَّهْرِ قَالَ: نَضْرَةً: حُسْنًا فِي الْوُجُوهِ. وَسُرُورًا: فِي الْقُلُوبِ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ غَيْلَانِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: صَلَاحٌ: قُلْتُ: صَلَاحُ عَمَلٍ صَلَاحُ عَمَلٍ صَلَاحٌ فِيهِ. مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَسَمِعَ مُنَادِيًا يُنَادِي: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَرَجَ مِنْ النَّارِ فَابْتَدَرْنَاهُ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ حَبَشِيٌّ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي بَطْنِ وَادٍ، فَأَدْرَكَتْهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَأَذَّنَ لِنَفْسِهِ» .