قُلْت: فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا حِينَ أَصَابَ خَمْسِينَ رَدِيئَةً جَوَّزَتْ الْخَمْسِينَ الْجِيَادِيَّةَ وَبَيْنَ الَّذِي صَرَفَ فَلَمْ يَنْقُدْ إلَّا خَمْسِينَ، ثُمَّ افْتَرَقَا أَبْطَلَ مَالِكٌ هَذَا وَأَجَازَهُ إذَا أَصَابَ خَمْسِينَ مِنْهَا رَدِيئَةً بَعْدَ النَّقْدِ أَجَازَ مِنْهَا الْجِيَادَ وَأَبْطَلَ الرَّدِيئَةَ؟
قَالَ لِأَنَّ: الَّذِي لَمْ يَنْقُدْ إلَّا الْخَمْسِينَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ فَاسِدَةً فِيهِ كُلِّهِ، وَهَذَا الَّذِي أَنْقَدَ الْمِائَةَ كُلَّهَا وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ صَحِيحَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَالَ: أَنَا أَقْبَلُ هَذِهِ الرَّدِيئَةَ وَلَا أَرُدُّهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ، فَهُوَ لَمَّا أَصَابَهَا رَدِيئَةً فَرَدَّهَا انْتَقَضَ مِنْ الصَّرْفِ بِحِسَابِ مَا أَصَابَ فِيهَا رَدِيئَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ مَخْرَمَةَ بْنَ بُكَيْرٍ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ، فَإِذَا افْتَرَقَا مِنْ قَبْلِ تَمَامِ الْقَبْضِ كَانَا قَدْ فَعَلَا خِلَافَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَيْهِ أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ فَارَقَهُ وَإِنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ بْنَ عُمَرَ قَالَ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَرَفَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ فَوَجَدَ مِنْهَا شَيْئًا لَا خَيْرَ فِيهِ فَأَرَادَ رَدَّهُ انْتَقَضَ صَرْفُهُ كُلُّهُ وَلَا يُبَدَّلُ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ رَدَّهُ لَكَانَ عَلَى صَرْفِهِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَدْ كَانَ يُجِيزُ الْبَدَلَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ، وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا ثُمَّ أَصَابَ رَدِيئًا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُبْطِلُ عَقْدَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ كَانَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ اصْطَرَفَ وَرِقًا فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِهَا فَمَا رَدُّوا عَلَيْك فَأَنَا أُبْدِلُهُ لَك قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لِيَقْبِضْهَا مِنْهُ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ.
ابْنُ وَهْبٍ، وَأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ ذَكَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ حُرَيْثٍ كَانَ يَقُولُ: لَوْ صَرَفَ رَجُلٌ فَقَبَضَ صَرْفَهُ كُلَّهُ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَا كَانَ فِيهَا نَاقِصًا كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ كَانَ ذَلِكَ رِبًا قُلْت: أَرَأَيْت إنْ صَرَفْتُ دِينَارًا عِنْدَ رَجُلٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقُلْت لَهُ: أَعْطِنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَعْطِنِي بِالْعَشَرَةِ الْأُخْرَى عَشَرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ كُلَّ يَوْمٍ رِطْلُ لَحْمٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَعَ الدَّرَاهِمِ شَيْءٌ بِصَرْفِ هَذَا الدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَتَأْخِيرٌ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَعَ الدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ يَنْقُدُهُ النِّصْفَ الدِّينَارَ وَالسِّلْعَةُ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ذَهَبَ بِهِ لِيَصْرِفَ دِينَارَهُ وَيَنْقُدَهُ النِّصْفَ الدِّينَارَ وَالسِّلْعَةُ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ الْبَائِعُ: عِنْدِي دَرَاهِمُ فَادْفَعْ إلَيَّ الدِّينَارَ وَأَنَا أَرُدُّ إلَيْك النِّصْفَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute