وَإِنْ أَخَذَهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فِي إحْدَاهُمَا لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: وَلِمَ كَرِهَهُ مَالِكٌ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ فَسَخَ هَذِهِ فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فِي هَذِهِ، فَلِذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ قِبَلِ الْخَطَرِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ إحْدَى السِّلْعَتَيْنِ أَرْخَصَ مِنْ صَاحِبَتِهَا فَهُوَ إنْ أَخْطَأَ الْمُشْتَرِي فَأَخَذَ الْغَالِيَةَ كَانَ قَدْ غَبَنَهُ الْبَائِعُ وَإِنْ أَخَذَ الرَّخِيصَةَ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ غَبَنَ الْبَائِعَ وَهُوَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَإِنَّمَا مِثْلُهُمَا مِثْلُ سِلْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَهَا بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُحَوَّلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ بِدِينَارٍ وَثَوْبٍ أَوْ ثَوْبٍ وَشَاةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِمَا بَاعَ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ يُجِيزُ مِثْلَ هَذَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: هَذَا الثَّوْبُ بِسَبْعَةٍ وَهَذَا الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ، وَالْوَزْنُ وَاحِدٌ فَاخْتَرْ فِيهِمَا وَقَدْ وَجَبَ لَكَ أَحَدُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُ حَلَالِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ أَخَذَ الَّذِي بِسَبْعَةٍ ثُمَّ رَدَّهُ وَأَخَذَ الَّذِي بِخَمْسَةٍ وَوَضَعَ دِرْهَمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَأَنَّهُ اشْتَرَى دِرْهَمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَالثَّوْبَ الَّذِي بِخَمْسَةٍ بِالثَّوْبِ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ بِسَبْعَةٍ ثُمَّ رَدَّهُ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَصَارَ الثَّوْبُ الَّذِي بِخَمْسَةٍ لَهُ فَلَيْسَ فِي هَذَا دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُخْتَلِفَةَ الْوَزْنِ هَذِهِ نَقْصٌ وَهَذِهِ وَازِنَةٌ فَلَا يَصْلُحُ فِي رَأْيِي، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَأَنَّهُ أَخَذَ الثَّوْبَ الَّذِي بِخَمْسَةٍ قَائِمَةٍ ثُمَّ رَدَّهُ وَأَخَذَ الثَّوْبَ الَّذِي بِسَبْعَةٍ نَقْصٍ وَجَعَلَ مَكَانَ الْخَمْسَةِ الْقَائِمَةِ سَبْعَةً نَقْصًا فَلَا يَسْتَطِيعُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمَا جَمِيعًا نَقْصًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ قِصَاصٍ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الَّذِي يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِعَشْرَةٍ نَقْصٍ أَوْ بِسَبْعَةٍ وَازِنَةٍ كِلْتَاهُمَا نَقْدًا أَوْ يُوجِبُ عَلَيْهِ إحْدَى الثَّمَنَيْنِ قَالَا: لَا يَصْلُحُ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَّكَهُ وَزَنَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُوَ كَأَنَّهُ أَخَذَ بِالنَّقْصِ وَصَارَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ فَسَخَ مَا مَلَكَ فَسْخَهُ وَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا وَازِنَةً فَلَا يَصْلُحُ اشْتِرَاءُ أَحَدِ الثَّمَنَيْنِ بِصَاحِبِهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ يُونُسُ: سَأَلْتُ رَبِيعَةَ مَا صِفَةُ الْبَيْعَتَيْنِ تُجِيزُهُمَا الصَّفْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ» فَقُلْتُ: مَا صِفَةُ ذَلِكَ فَقَالَ رَبِيعَةُ: يَمْلِكُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنَيْنِ عَاجِلٍ وَآجِلٍ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا كَالدِّينَارِ نَقْدًا وَالدِّينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا يَبِيعُ أَحَدَ الثَّمَنَيْنِ بِالْآخَرِ فَهَذَا مِمَّا يُقَارِبُ الرِّبَا. قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ: وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَّكَكَ ثَوْبَهُ بِدِينَارٍ نَقْدًا أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute