قُلْتُ: فَكُلُّ بَيْعٍ اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ فَأَصَابَ السِّلْعَةَ عَيْبٌ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ ثُمَّ انْقَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ وَقَبَضَهَا وَعَلِمَ بِالْعَيْبِ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَرَضِيَهُ ثُمَّ حَالَتْ أَسْوَاقُ تِلْكَ السِّلْعَةِ أَوْ تَغَيَّرَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ فِي بَدَنِهَا ثُمَّ أَصَابَهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ لَهُ الْبَائِعُ قَالَ: إنْ شَاءَ حَبَسَهَا وَوَضَعَ عَنْهُ قَدْرَ الْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبَضَهَا لِأَنَّهُ قَبَضَهَا عَلَى بَيْعٍ فَاسِدٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا هُوَ ثَمَنُهَا وَبَطَلَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَصَارَتْ قِيمَتُهَا لَهَا ثَمَنًا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ لَهُ وَيَرُدُّ مَا أَصَابَهَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ يَحْبِسُهَا وَيَرْجِعُ بِالْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ لَهُ مِنْ قِيمَتِهَا.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ بِهَا عِنْدَهُ عَيْبٌ مُفْسِدٌ كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا وَغَرِمَ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبْضِهَا قُلْتُ: وَالْخِيَارُ لَهُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لِي؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُ الْخِيَارِ فَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي حَدَثَ بِهَا فِي يَدَيْهِ عَيْبٌ آخَرُ أَوْ حَالَتْ فِي بَدَنِهَا وَجَبَتْ لَهُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ انْقَضَتْ أَيَّامُ خِيَارِهِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ كَانَ بِالْخِيَارِ فِي رَدِّهَا وَأَنْ يَرُدَّ مَعَهَا مِنْ قِيمَتِهَا الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَفْت رَجُلًا فِي طَعَامٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنَّ أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ؟ قَالَ: إنْ اشْتَرَطَ أَجَلَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُقَدِّمْ النَّقْدَ، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَبْعَدَ لَمْ يَجُزْ قَدَّمَ النَّقْدَ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ.
قُلْتُ: لِمَ جَوَّزْتَهُ لَهُ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ النَّقْدَ وَكَرِهْتَهُ إذَا قَدَّمَ عَلَى مَاذَا رَأَيْتَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا جَوَّزْتُ الْخِيَارَ فِيهِ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ النَّقْدَ وَكَانَ أَجَلُ الْخِيَارِ قَرِيبًا لِأَنِّي أُجِيزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ رَأْسَ مَالِ السَّلَفِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، فَلَمَّا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ نَقْدَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَجَزْتُ الْخِيَارَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَكَرِهْتُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ نَقْدَهُ وَيَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ سَلَفٌ وَبَيْعٌ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ النَّقْدَ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ فَكَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ إلَى أَجَلِ الْخِيَارِ عَلَى أَنْ جَعَلَاهَا بَعْدَ أَجَلِ الْخِيَارِ فِي سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ مَوْصُوفٍ فَصَارَتْ الدَّنَانِيرُ سَلَفًا وَصَارَتْ السِّلْعَةُ الْمَوْصُوفَةُ تَبَعًا لِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْخِيَارِ فَصَارَتْ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً.
قُلْتُ: وَلِمَ كَرِهْتَهُ إذَا كَانَ أَجَلُ الْخِيَارِ إلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ إذَا لَمْ يُقَدِّمْ رَأْسَ الْمَالِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ.
وَالْخِيَارُ لَا يَكُونُ أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَى شَهْرٍ وَإِنَّمَا يُجَوِّزُ مَالِكٌ الْخِيَارَ فِي الْبُيُوعِ عَلَى قَدْرِ اخْتِبَارِ النَّاسِ السِّلَعَ الَّتِي يَشْتَرُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute