قُلْتُ: وَكَيْفَ هَذِهِ الَّتِي صَالَحُوا عَلَيْهَا، صِفْهَا لِي؟
قَالَ: تَكُونُ أَرْضُهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ مَمْنُوعَةً قَدْ مَنَعُوا أَرْضَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا، وَمَنَعُوا أَهْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ صُلْحٍ، فَهَذِهِ أَرْضُ الصُّلْحِ، فَمَا صَالَحُوا عَلَيْهَا فَهِيَ لَهُمْ بِمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ وَالْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِهِمْ. فَهَذِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِهَا وَإِنْ مَاتَ وَرِثَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَرَثَةٌ فَتَكُونَ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ جِزْيَةُ جُمْجُمَتِهِ وَجِزْيَةُ أَرْضِهِ وَلَهُ أَرْضُهُ بِحَالِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ بِغَيْرِ خَرَاجٍ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ الذِّمِّيِّ الْمُصَالِحِ: إذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْ أَرْضِهِ وَجُمْجُمَتِهِ الْخَرَاجُ وَصَارَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ تَكُونَ لَهُ إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ.
قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَقُولُ لَهُ: أَنْ يَبِيعَ أَرْضَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَرْضَ هَذَا الْمُصَالِحِ مِنْهُ، مَا يَكُونُ عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ فِيهَا؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ فِيهَا شَيْءٌ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى الذِّمِّيِّ كَمَا هُوَ بِحَالِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ خَرَاجُ الْأَرْضِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا مِنْ ذِمِّيٍّ؟
قَالَ: نَعَمْ خَرَاجُهَا عَلَى الَّذِي صَالَحَ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ.
قُلْتُ: وَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَقَدْ سَأَلَهُ عَنْهُ نَاسٌ مِنْ الْمَغْرِبِيِّينَ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُمْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، إلَّا أَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْهُ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعُوهَا إنْ كَانَتْ أَرْضَ صُلْحٍ.
قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا صَالَحُوا عَلَى أَرْضِهِمْ فَاشْتَرَى أَرْضَهُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى ذِمَّتِهِمْ؟ قَالَ: عَلَيْهِمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي بَاعُوا مَا كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ إذَا اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُسْلِمُ، إنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا عَلَيْهَا هَذَا الَّذِي بَاعَهَا الَّذِي صَالَحَ عَلَيْهَا مَا دَامَ الَّذِي صَالَحَ عَلَى ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الَّذِي صَالَحَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، وَالْأَرْضُ عِنْدَ هَذَا الْمُسْلِمِ الَّذِي اشْتَرَاهَا سَقَطَ خَرَاجُهَا عَنْ هَذَا الَّذِي صَالَحَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي صَالَحَ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ حِينَ أَسْلَمَ لَسَقَطَ عَنْهُ خَرَاجُهَا، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ هَذَا الْمُسْلِمِ سَقَطَ عَنْهُ الْخَرَاجُ بِإِسْلَامِ بَائِعِهَا. قَالَ: وَهُوَ رَأْيِي، قَالَ: وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا الْمُسْلِمُ عَلَى أَنَّ خَرَاجَهَا عَلَيْهِ وَالذِّمِّيُّ مِنْهُ بَرِيءٌ فَهَذَا بَيْعٌ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ مَا لَا يَدْرِي مَا قَدْرُهُ وَلَا مُنْتَهَاهُ وَلَا مَا يَبْلُغُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute