للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ مِنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ يَقْبِضُهَا بِدَنَانِيرَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِبَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ اشْتَرَطَ فِي بَيْعِهِ إنْ تَلِفَتْ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ دَنَانِيرَ أُخْرَى مِثْلَهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا خَيْرَ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ فَأَرَى إنْ كَانَ الْكِرَاءُ لَيْسَ يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ فَلَا أَرَى الْكِرَاءَ جَائِزًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَتْ الدَّنَانِيرُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، فَإِنْ اشْتَرَطَ هَذَا لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَالطَّعَامُ وَالْعُرُوضُ لَا يَصْلُحُ هَذَا الشَّرْطُ فِيهَا.

وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْتَرِطَ إنْ تَلِفَتْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ وَالْعُرُوضَ سِلَعٌ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَلِأَنَّ مَالِكًا قَدْ كَرِهَ أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَلِفَ أَعْطَاهُ مِثْلَهُ وَالدَّابَّةُ وَالرَّأْسُ مِثْلُ ذَلِكَ؟

قَالَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: لَا خَيْرَ فِيهِ إذَا بِيعَ بِشَرْطٍ إنْ تَلِفَ أَعْطَاهُ مِثْلَهُ مَكَانَهُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ إنَّمَا هِيَ عَيْنٌ عِنْدَ النَّاسِ لَيْسَتْ بِسِلَعٍ وَهِيَ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَثْمَانٌ لِلسِّلَعِ فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنَّهَا إنْ هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ اكْتَرَى عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَتُسَلَّمُ الدَّنَانِيرُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ أَمْ لَا تُسَلَّمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِي الدَّنَانِيرِ: هُوَ جَائِزٌ وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ بِهَذَا الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِهَذِهِ الْعُرُوضِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ بِعَيْنِهَا وَالْكِرَاءُ فِي مَوْضِعِنَا لَيْسَ بِالنَّقْدِ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ الْجَمَّالُ: وَقَعَ كِرَاؤُنَا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ النَّقْدُ وَكِرَاءُ النَّاسِ عِنْدَنَا لَيْسَ بِالنَّقْدِ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي أَنَا أُعَجِّلُ السِّلْعَةَ أَوْ الدَّنَانِيرَ أَوْ الطَّعَامَ وَلَا أَفْسَخُ الْكِرَاءَ، قَالَ: الْكِرَاءُ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ رَضِيَ الْمُتَكَارِي أَنْ يُعَجِّلَ السِّلْعَةَ أَوْ الدَّنَانِيرَ أَوْ الطَّعَامَ؛ لِأَنَّ صَفْقَةَ الْكِرَاءِ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فِي رَأْيِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: إلَّا فِي الدَّنَانِيرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت بِهَذَا الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِهَذِهِ الثِّيَابِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِهَذِهِ الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ بِعَيْنِهَا وَاشْتَرَطْت عَلَيْهِ أَنْ لَا أَنْقُدَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ مِثْلُ الدَّابَّةِ تَكُونُ يَرْكَبُهَا الرَّجُلُ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْجَارِيَةُ تَخْدُمُهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يُحْبَسُ لِرُكُوبٍ وَلَا لِخِدْمَةٍ وَلَا لِلُبْسٍ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْبِسُهُ عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى الْكِرَاءِ أَوْ يَكْتُبَ كِتَابًا عَلَيْهِ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي حَبْسِهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا هَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحْبِسُ سِلْعَتَهُ حَتَّى يَسْتَوْثِقَ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ لَا يَحْبِسُهُ لِيَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُشْهِدَ وَلَا يَحْبِسُهُ لِلُبْسٍ وَلَا لِرُكُوبٍ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>