قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اخْتَلَفْنَا قَبْلَ الرُّكُوبِ بِمِصْرَ فَأَقَمْنَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا أَنَا وَرَبُّ الدَّابَّةِ أَوْ لَمَّا بَلَغْنَا بَرْقَةَ اخْتَلَفْنَا فَأَقَمْنَا الْبَيِّنَةَ أَنَا وَرَبُّ الدَّابَّةِ؟ قَالَ: الْبَيِّنَةُ لِأَعْدَلِهِمَا إلَّا أَنْ تَتَكَافَأَ الْبَيِّنَةُ فِي الْعَدَالَةِ، فَإِنْ تَكَافَأَتْ فِي الْعَدَالَةِ قَبْلَ الرُّكُوبِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الْكِرَاءِ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَانْفَسَخَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْفَضْلِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّهَاتُرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ بِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِخَمْسِينَ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ.
فَإِنْ كَانَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِبَيِّنَةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِلْفَضْلِ وَلِأَنَّهَا زَادَتْ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي فَمَسْأَلَةُ الْكِرَاءِ تُشْبِهُ قَوْلَهُ هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَارَيْتُ دَابَّةً مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَنَقَدْتُهُ الْمِائَةَ أَوْ لَمْ أَنْقُدْهُ ثُمَّ رَكِبْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ: إنَّمَا أَكْرَيْتُكَ إلَى الْمَدِينَةِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقُلْتُ أَنَا: إنَّمَا تَكَارَيْتُهَا إلَى مَكَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: إنْ كَانَ الْمُكْتَرِي قَدْ نَقَدَهُ الْمِائَةَ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ فِي الْمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْمَدِينَةِ إذَا كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا حِينَ دَفَعَهَا إلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَعَلَى الْمُكْتَرِي الْيَمِينُ بِاَللَّهِ فِي الْمِائَةِ الْأُخْرَى الَّتِي ادَّعَاهَا رَبُّ الدَّابَّةِ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ الزَّائِدَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا رَبُّ الدَّابَّةِ فِي الْكِرَاءِ شَيْئًا وَلَكِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي مِثْلُ الْبُيُوعِ، قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهَا مِنْهُ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَيَا مِنْ ذَلِكَ فَتَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ؟
قَالَ: فَهُمَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَتَكَافَأْ الْبَيِّنَتَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَعْدَلِهِمَا بَيِّنَةً قَالَ: نَعَمْ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبُيُوعِ قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْقَدْ الْكِرَاءُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ فَاخْتَلَفَا كَمَا وَصَفْتُ لَكَ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَمْ يُكْرِهِ إلَّا إلَى الْمَدِينَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فِي غُرْمِ الْكِرَاءِ فَتُقْسَمُ الْمِائَةُ عَلَى مَا بَيْنَ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ فَمَا أَصَابَ مَا بَيْنَ مِصْرَ إلَى الْمَدِينَةِ كَانَ ذَلِكَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ وَمَا أَصَابَ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ حُطَّ ذَلِكَ عَنْ الْمُكْتَرِي مَعَ أَيْمَانِهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا الْبَيِّنَةُ فَبِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَا قَالَا جَمِيعًا يُشْبِهُ، وَإِنْ كَانَ مَا قَالَ الْمُكْرِي أَشْبَهَ وَلَا يُشْبِهُ مَا قَالَ الْمُكْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي مَعَ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute