وَكَذَلِكَ أَيْضًا، لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يُشَارِكَ بِالْقِرَاضِ، إلَّا بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُقَارِضَ بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ جَازَتْ لَهُ الشَّرِكَةُ.
قَالَ: وَإِذَا دَفَعَ إلَى الْعَامِلِ الْمَالَ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ قِرَاضًا عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَهُوَ ضَامِنٌ عِنْدَ مَالِكٍ. فَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي بِهِ فَرَبِحَ، فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى بِرِبْحِ نِصْفِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَيَكُونُ لِلْمُقَارِضِ الْآخَرِ النِّصْفُ أَيْضًا، وَيَرْجِعُ الْمُقَارِضُ الْآخَرُ عَلَى الْمُقَارَضِ الْأَوَّلِ بِمِثْلِ سُدُسِ الرِّبْحِ، يَأْخُذهُ مِنْهُ ضَامِنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ ثُلُثَيْنِ فَلَمْ يُتِمَّ لَهُ الثُّلُثَيْنِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهُ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ سَاقَى رَجُلًا حَائِطًا لَهُ عَلَى النِّصْفِ، فَسَاقَى الْمُسَاقِي رَجُلًا آخَرَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ. قَالَ مَالِكٌ: لِلْمُسَاقِي الْأَوَّلِ النِّصْفُ يَأْخُذُهُ مِنْ حَائِطِهِ، وَيَتْبَعُ الْمُسَاقِي الْآخَرُ الْمُسَاقِيَ الْأَوَّلَ بِالسُّدُسِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ، فَيَأْخُذهُ مِنْهُ، فَالْقِرَاضُ مِثْلُهُ قُلْتُ: فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُقَارِضِ الْآخَرِ، وَرَبِحَ الْآخَرُ وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: رَبُّ الْمَالِ أَوْلَى بِرَأْسِ مَالِهِ الَّذِي مَعَ الْمُقَارِضِ الْآخَرِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَتْبَعُ الْمُقَارِضُ الْآخَرُ الْمُقَارِضَ الْأَوَّلَ بِمَا كَانَ يُصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ، عَلَى حِسَابِ الْمَالِ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ. قَالَ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِينَ دِينَارًا، فَضَاعَ مِنْهَا عِنْدَ الْمُقَارِضِ الْأَوَّلِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَبَقِيَ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ قِرَاضًا، فَعَمِلَ فِيهَا فَصَارَتْ مِائَةً. فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَأْخُذُ مِنْهَا رَأْسَ مَالِهِ ثَمَانِينَ، ثُمَّ يَأْخُذُ نِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ رِبْحِهِ، وَهِيَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، إنْ كَانَ قِرَاضُهُمَا عَلَى النِّصْفِ، وَيَبْقَى لِلْعَامِلِ الثَّانِي فِي يَدِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَامِلُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ رِبْحَ الْمَالِ كَانَ سِتِّينَ دِينَارًا، لَهُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ، فَلَمْ يَبْقَ فِي يَدَيْهِ إلَّا عَشَرَةٌ، وَبَقِيَتْ لَهُ عِشْرُونَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: بَلْ رَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِ هَذَا الثَّانِي أَرْبَعُونَ، وَلَا يَحْسُبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَخَذَ، فَإِنَّمَا يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ مِنْهُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَنِصْفُ الرِّبْحِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ، وَيَرْجِعُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَتْلَفَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى تَعَدِّيًا، رَجَعَ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ بِتَمَامِ عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ إلَيْهِ مَا أَخَذَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْبَعُونَ الْأُولَى، إنَّمَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، رَجَعَ رَبُّ الْمَالِ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ، وَفِي يَدِ رَبِّ الْمَالِ سَبْعُونَ، فَقَدْ اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ، وَرِبْحُهُ عَشَرَةٌ. وَلَا يَرْجِعُ بِهَذِهِ الْعِشْرِينَ عَلَى الْعَامِلِ الثَّانِي فَيَظْلِمُ عَمَلَهُ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الَّذِي صَيَّرَهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ فِي الْمَالِ لَكَانَ مَا صَارَ إلَى الْعَامِلِ الثَّانِي يُجْبَرُ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجْلِبُهُ الْمَالُ فَالْمَالُ أَوْلَى بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَهُ، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ الثَّانِيَ لَا يُظْلَمُ عَمَلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيَكُونُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُتَعَدِّي، وَهُوَ الْأَوَّلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute