قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ لَهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَيَحْلِفَ لَهَا، وَإِنْ أَبَى قَالَ مَالِكٌ: آخِرُ مَا لَقِينَاهُ. قَالَ: يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ، وَثَبَتَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ لَنَا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى إنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَطَالَ حَبْسُهُ؛ أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ وَيُدَيَّنُ فِي ذَلِكَ. قَالَ وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَيْنِي وَبَيْنَهُ خُلْطَةٌ، ادَّعَيْت عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ وَاسْتَحْلَفْته؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَفَ بَرِئَ. قُلْتُ: وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَقَالَ أَنَا أَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يَقْضِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَبَدًا، حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى حَقِّهِ. وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِالْحَقِّ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِلطَّالِبِ بِالْحَقِّ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ، حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الطَّالِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَدَّعِي الْمَطْلُوبُ يَمِينَ الطَّالِبِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْرِفُ هَذَا، أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَنَكَلَ الْمُدَّعِي أَيْضًا عَنْ الْيَمِينِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَبْطُلُ حَقُّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ادَّعَيْت قِبَلَ رَجُلٍ حَقًّا فَاسْتَحْلَفْتُهُ فَحَلَفَ، ثُمَّ أَصَبْت عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لِي أَنْ آخُذَ حَقِّي مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ إذَا كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بَيِّنَتَهُ. قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَحْلَفَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِبَيِّنَتِهِ تَارِكًا لَهَا فَلَا حَقَّ لَهُ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ غَيْبًا بِبَلَدٍ آخَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِبِلَادٍ أُخْرَى فَاسْتَحْلَفَهُ، ثُمَّ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ، أَيُقْضَى لَهُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَيُرَدُّ يَمِينُ الْمَطْلُوبِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَارِفًا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْهُ وَرَضِيَ بِالْيَمِينِ مِنْ الْمَطْلُوبِ تَارِكًا لِلْبَيِّنَةِ، لَمْ أَرَ لَهُ حَقًّا وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ. قُلْتُ: وَمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ: تَارِكًا لِلْبَيِّنَةِ؟ أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، فَأَحْلِفْهُ لِي فَإِنْ حَلَفَ فَقَدَّمْتُ بَيِّنَتِي، فَأَنَا عَلَى حَقِّي وَلَسْتُ بِتَارِكٍ لِبَيِّنَتِي؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي أَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَخَافَ عَلَى الْغَرِيمِ أَنْ يَذْهَبَ، أَوْ أَنْ يَتَطَاوَلَ ذَلِكَ. أَرَأَيْتَ أَنْ يُحَلِّفَهُ لَهُ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ إذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؟ قُلْتُ: وَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بِبِلَادٍ قَرِيبَةٍ؟ قَالَ: فَلَا أَرَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لَهُ إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ قَرِيبَةً الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَيُقَالُ لَهُ: قَرِّبْ بَيِّنَتَكَ وَإِلَّا فَاسْتَحْلِفْهُ عَلَى تَرْكِ الْبَيِّنَةِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَحْلِفُ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كَنَائِسِهِمْ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute