للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَنَانِيرَ، إنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَدْ حَلَّتْ فَأَحَالَهُ بِذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ لِلْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ؟

قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَرَى أَنْ يَعْتِقَ مَكَانَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ نَجْمُ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَحِلَّ، وَلِلْمُكَاتَبِ دَيْنٌ عَلَى أَجْنَبِيٍّ قَدْ حَلَّ، فَأَحَالَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ، لِمَ لَا يَجُوزُ وَالْمُكَاتَبُ لَوْ عَجَّلَ كِتَابَتَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ لَوْ اقْتَضَاهُ فَأَوْفَاهُ السَّيِّدُ، فَأَمَّا إذَا أَحَالَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا ذِمَّةٌ بِذِمَّةٍ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَرِبًا بَيْنَ السَّيِّدِ وَمُكَاتَبِهِ؛ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَحِلَّ، فَأَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَدْ حَلَّ؛ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؟ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَدْ حَلَّتْ، وَالدَّيْنُ الَّذِي لِلْمُكَاتَبِ لَمْ يَحِلَّ، فَأَحَالَ سَيِّدَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَحَالَ بِهِ السَّيِّدَ إنَّمَا هُوَ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ، كَانَ الْمُكَاتَبُ بَرِيئًا مِنْ هَذَا النَّجْمِ، إذَا كَانَ النَّجْمُ الَّذِي عَلَى الْمُكَاتَبِ قَدْ حَلَّ، فَإِنْ كَانَ النَّجْمُ الَّذِي أَحَالَهُ بِهِ الْمُكَاتَبُ، هُوَ آخِرُ نُجُومِهِ، وَكَانَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ مَكَانَهُ.

قُلْتُ: وَلِمَ كَرِهْتَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَحْتَالَ بِكِتَابَةِ مُكَاتَبِهِ عَلَى رَجُلٍ لِلْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ دَيْنٌ إذَا لَمْ تَحِلَّ الْكِتَابَةُ؟

قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ كِتَابَةَ مُكَاتَبِهِ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِعَرَضٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ، وَإِنَّمَا وُسِّعَ فِي هَذَا فِيمَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ. فَلَمَّا كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا بَيْنَ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، كَرِهْنَا الْحَوَالَةَ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا كُرِهَ مِنْ قِبَلِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ فِي نَفْسِهِ عِتْقًا تُعَجِّلُهُ، إلَّا مَا أَرَادَ مِنْ الرِّبْحِ فِي بَيْعِ ذِمَّةٍ بِمَا عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: الذِّمَّةُ بِالذِّمَّةِ مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، فَهَذَا إنَّمَا تَرَكَ ذِمَّةَ مُكَاتَبِهِ عَلَى أَنْ جَعَلَ دَيْنَهُ فِي ذِمَّةِ هَذَا الْأَجْنَبِيِّ.

قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا، كَرِهَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِطَعَامٍ، ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَنْ النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الطَّعَامَ.

قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: أَيَبِيعُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَيُؤَخِّرُهُ بِالثَّمَنِ بِعَرَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عَرَضٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ مَالِكٌ: فَكُلُّ مَا كَانَ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَسَيِّدِهِ مِنْ هَذَا، فَلَيْسَ هُوَ دَيْنًا بِدَيْنٍ. وَمَا كَانَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ، مِنْ بَيْعِ كِتَابَةِ مُكَاتَبِهِ بِثَمَنٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ فَهُوَ وَجْهُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ تَعَجَّلَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَهُوَ جَائِزٌ. وَأَمَّا مِنْ الْمُكَاتَبِ إذَا تَعَجَّلَ عِتْقَهُ فَلَا بَأْسَ بِمَا بَاعَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ دَرَاهِمَ لَمْ تَحِلَّ فَبَاعَهَا بِدَنَانِيرَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ بِطَعَامٍ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِطَعَامِ غَيْرِهِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>