قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَهْرًا لِي يَمُرُّ فِي أَرْضِ قَوْمٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَغْرِسُوا حَافَّتَيْ النَّهْرِ مَنْ أَرْضِهِمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا.
قُلْتُ: فَإِنْ غَرَسُوا وَاحْتَاجَ صَاحِبُ النَّهْرِ إلَى أَنْ يُلْقِيَ طِينَهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ طِينَهُ فِي حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي أَرْضِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى شَجَرِهِ؟
قَالَ: إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى الشَّجَرِ، مُنِعَ مِنْ أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى الشَّجَرِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى طَرْحِهِ إلَّا عَلَى الشَّجَرِ لِكَثْرَةِ الطِّينِ وَكَثْرَةِ الشَّجَرِ بِحَافَّتَيْ النَّهْرِ، وَلَا يَكْفِيهِ إلْقَاءُ الطِّينِ فِيمَا بَيْنَ الشَّجَرِ؛ رَأَيْتُ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى الشَّجَرِ، وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ. وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَنْهَارُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يُلْقَى طِينُهَا عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ. قَالَ: وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ سُنَّةٌ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى سُنَّتِهِمْ عِنْدَهُمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَقَدْ تَرَكَ دُورًا وَرَقِيقًا، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ، فَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ مَالَ الْمَيِّتِ جَهِلُوا أَنَّ الدَّيْنَ يَخْرُجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ الْمِيرَاثِ، أَوْ جَهِلُوا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا حِينَ اقْتَسَمُوا ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا حِينَ اقْتَسَمُوا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تُرَدَّ الْقِسْمَةُ حَتَّى يُخْرَجَ الدَّيْنُ إذَا أُدْرِكَ مَالُ الْمَيِّتِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَدَارًا وَدَيْنًا. قَالَ: أَرَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ الدَّارِ قَدْرُ الدَّيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ الدَّيْنَ مِنْ عِنْدِهِمْ الْوَرَثَةُ، فَتَكُونُ الدَّارُ دَارَهُمْ لَا تُبَاعُ عَلَيْهِمْ وَيَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْوَرَثَةَ الَّذِينَ جَهِلُوا أَنَّ الدَّيْنَ يَخْرُجُ قَبْلَ الْمِيرَاثِ، أَوْ جَهِلُوا أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا، إنْ كَانُوا قَدْ اقْتَسَمُوا الْمِيرَاثَ فَأَتْلَفَ بَعْضُهُمْ مَا صَارَ لَهُ وَبَقِيَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ الَّذِي أَخَذَ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَقَدِمَ صَاحِبُ الدَّيْنِ، كَيْفَ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ الَّذِي أَدْرَكَ فِي يَدِ هَذَا الْوَارِثِ الَّذِي لَمْ يُتْلِفْ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا أَدْرَكَ فِي يَدَ هَذَا الْوَارِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي فِي يَدِ هَذَا الْوَارِثِ، فَلْيَأْخُذْ مِقْدَارَ دَيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُطْرَحُ هَذَا الدَّيْنُ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ.
وَيُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ هَذَا الْمَيِّتِ مِمَّا بَقِيَ فِي يَدِ هَذَا الَّذِي أَخَذَ الْغَرِيمُ مِنْهُ مَا أَخَذَ وَمَا أَتْلَفَ الْوَرَثَةُ مِمَّا أَخَذُوا، فَيَكُونُ هَذَا كُلُّهُ مَالَ الْمَيِّتِ. فَيُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ فِي يَدِ هَذَا، فَيَكُونُ لَهُ وَيَتْبَعُ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ تَمَامِ حَقِّهِ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّيْنِ إنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ، وَيَضْمَنُ الْوَرَثَةُ مَا أَكَلُوا أَوْ اسْتَهْلَكُوا مِمَّا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْأَمْتِعَاتِ أَصَابَتْهَا الْجَوَائِحُ مِنْ السَّمَاءِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ بَاطِلَةً إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَ فِي قَوْلِهِ هَذَا الْمَالَ مَالَ الْمَيِّتِ عَلَى حَالِهِ، وَجَعَلَ الْقِسْمَةَ بَاطِلَةً لَمَّا قَالَ مَا أَصَابَتْ الْجَوَائِحُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا مَاتَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، فَضَمَانُهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute