قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَفَادَ مَالًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا مَضَى لِذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَفَادَ أَيْضًا مَالًا إنْ جَمَعَهُ إلَى مَالِهِ الْأَوَّلِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَتَجَرَ فِي الْمَالِ الثَّانِي بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ الثَّانِي فَرَبِحَ فِيهِ حَتَّى صَارَ بِرِبْحِهِ إلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟
قَالَ: وَيَضُمُّ الْمَالَ الْأَوَّلَ إلَى الْمَالِ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَائِدَةً فَمَضَتْ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَفَادَ أَيْضًا خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِي الْمَالِ الثَّانِي فَرَبِحَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، فَإِنَّهُ يُضِيفُ الْمَالَ الْأَوَّلَ إلَى الْمَالِ الثَّانِي، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ زَكَّى الْمَالَ الْأَوَّلَ وَالْمَالَ الْآخَرَ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ كَأَنَّهَا كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا وَالْخَمْسَةُ الدَّنَانِيرُ الزَّائِدَةُ الَّتِي فِيهَا فَضْلٌ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَجَرَ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَرَبِحَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَصَارَتْ بِرِبْحِهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ الْأَوَّلَ سَنَةً فَيُزَكِّيهِ، وَيَحْتَسِبُ لِلْمَالِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ سَنَةً فَيُزَكِّيهِ، فَيُزَكِّي الْمَالَيْنِ، كُلُّ مَالٍ عَلَى حِيَالِهِ إذَا كَانَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، فَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ الثَّانِي أَضَافَ الْمَالَ الْأَوَّلَ إلَى الْمَالِ الثَّانِي فَزَكَّى الْمَالَ الْأَوَّلَ مَعَ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّمَا يُزَكِّيهِ يَوْمَ يُزَكِّي الْمَالَ الثَّانِي كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَفَادَ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَقْرَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، فَضَاعَتْ الْخَمْسُونَ الْأُخْرَى فِي يَدَيْهِ مَكَانَهَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ، ثُمَّ اقْتَضَى مَنْ الْخَمْسِينَ الدِّينَارِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مَنْ يَوْمِ مَلَكَهَا؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي اقْتَضَاهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ أَنْفَقَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي اقْتَضَاهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً أُخْرَى بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: يُزَكِّي هَذِهِ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي اقْتَضَاهَا السَّاعَةَ وَالْعَشَرَةَ الَّتِي أَنْفَقَهَا.
قُلْتُ: لِمَ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ جَمِيعًا وَقَدْ أَنْفَقَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقْتَضِيَ الثَّانِيَةَ، وَلِمَ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى حِينَ اقْتَضَاهَا وَأَوْجَبْتَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعَشَرَةِ الْأُولَى حِينَ اقْتَضَى الْعَشَرَةَ الثَّانِيَةَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ أَصْلُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَتَلِفَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَأَقْرَضَ الْخَمْسِينَ مِنْهَا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَلَمَّا اقْتَضَى مِنْ الْخَمْسِينَ الدَّيْنَ بَعْدَ الْحَوْلِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، قُلْنَا لَا تُزَكِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ فِيهَا السَّاعَةَ لِأَنَّا لَا نَدْرِي، لَعَلَّ الدَّيْنَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ، فَنَحْنُ إنْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُزَكِّيَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأُولَى حِينَ خَرَجَتْ، يُخْشَى أَنْ نَأْمُرَهُ أَنْ يُزَكِّيَ مَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى حَتَّى يُقْتَضَى.
قُلْتُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ ضَاعَ كُلُّهُ أَوْ تَوَى وَقَدْ حَالَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ عِنْدَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَضَى مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute