لَا يَضْرِبَانِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ وَصِيَّتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ. فَيَنْظُرُ مَا صَارَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فِي الثُّلُثِ، إذَا حَاصَّا صَاحِبَ الْمِائَةِ أَخَذَا ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ، فَيَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يُبْدَأُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا صَارَ الْعَبْدُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَيَكُونُ صَاحِبُ الْمِائَةِ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِمَبْلَغِ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ فِي جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ.
قُلْتُ: وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، الَّتِي قَالَ فِيهَا الْمَيِّتُ: يَخْدُمُ عَبْدِي فُلَانًا حَيَاتَهُ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ وَلِفُلَانٍ مِائَةُ دِينَارٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا تُشْبِهُهَا وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ، لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِعِتْقِهِ بَعْدَ الْخِدْمَةِ لَيْسَ هَهُنَا مَالٌ، إنَّمَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِخِدْمَةٍ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ. فَإِنَّمَا يُعْمَرُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَيُشْرَعُ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ فِي الثُّلُثِ بِمَبْلَغِ قِيمَةِ الْخِدْمَةِ الَّتِي أُوصِيَ لَهُ بِهَا، وَهَذَا الَّذِي أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ أَوْصَى الْمَيِّتُ هَهُنَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَبِخِدْمَتِهِ، فَرَقَبَةُ الْعَبْدِ هَهُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقِيمَةُ الْخِدْمَةِ إنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، لَا يَضْرِبُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا إلَّا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، فَمَا خَرَجَ لَهُمَا مِنْ الْعَبْدِ فِي الْمُحَاصَّةِ مِنْ الثُّلُثِ بَدَأَ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ رَجَعَ مَا كَانَ مِنْ الْعَبْدِ فِي الْخِدْمَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَلَا يُعْمَرُ الْمُخْدَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيُعْمَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي فِيهَا الْعِتْقُ.
قُلْتُ: وَفِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَبِخِدْمَتِهِ مَا عَاشَ لِفُلَانٍ، وَبِمِائَةِ دِينَارٍ لِفُلَانٍ، لِمَ لَمْ يَبْدَأْ مَالِكُ الْعِتْقِ عَلَى الْمِائَةِ، وَعَلَى الْخِدْمَةِ وَالْعِتْقُ مُبْدَأٌ عَلَى الْوَصَايَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا لَمْ يَسْقُطْ، وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ هَهُنَا إلَّا إلَى الْأَجَلِ الَّذِي جُعِلَ عِتْقُهُ إلَيْهِ - وَهُوَ قَبْلَ الْأَجَلِ عَلَيْهِ الْخِدْمَةُ - فَيَتَحَاصُّ صَاحِبُ الْمِائَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي تِلْكَ الْخِدْمَةِ، فَتَكُونُ خِدْمَةُ الْعِتْقِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمِائَةِ الدِّينَارِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الثُّلُثَ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْخِدْمَةُ خَرَجَ الْعَبْدُ حُرًّا، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ حُجَّةٌ فِي الْعِتْقِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ إنَّمَا هُوَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ لَا يَحْمِلُ جَمِيعَ الْعَبْدِ وَأَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ، عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ مَبْلَغُ الثُّلُثِ بَتْلًا وَسَقَطَتْ الْوَصَايَا - بِالْخِدْمَةِ وَغَيْرِ الْخِدْمَةِ - لِأَنَّ الْوَصَايَا حَالَتْ وَرَجَعَتْ إلَى الْمُحَاصَّةِ، فَكَانَ الْعِتْقُ حِينَئِذٍ مُبْدَأً عَلَى مَا سِوَاهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ فِي وَصِيَّتِهِ: عَبْدِي يَخْدُمُ فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ شَيْئًا مَنْ السِّنِينَ، وَأَوْصَى أَنَّ رَقَبَتَهُ لِفُلَانٍ - لِرَجُلٍ آخَرَ - وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بَعْدِهِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهَذَا، أَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ هَهُنَا بِالْخِدْمَةِ، إنَّمَا هِيَ حَيَاةُ الْمُخْدَمِ فَقَطْ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ إذَا مَاتَ الْمُخْدَمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، إنَّمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى وَجْهَيْنِ الَّذِي سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ: إمَّا أَنْ يَقُولَ غُلَامِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute