للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّارُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا هِيَ دَارٌ وَاحِدَةٌ، أَيَكُونُ قَوْلُهُ الْآخَرُ نَقْضًا لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ إذَا قَالَ دَارِي أَوْ دَابَّتِي أَوْ ثَوْبِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِدَابَّتِهِ - تِلْكَ بِعَيْنِهَا - دَابَّتِي لِفُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، أَوْ قَالَ فِي ثَوْبِهِ ذَلِكَ ثَوْبِي لِفُلَانٍ يُرِيدُ رَجُلًا آخَرَ، أَتَكُونُ وَصِيَّتُهُ الْآخِرَةُ نَقْضًا لِوَصِيَّتِهِ الْأُولَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَبَلَغَنِي عَنْهُ، أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا، أَنَّ الَّذِي يَقُولُ ثُلُثَ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَالِي لِفُلَانٍ، أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ حِينَ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَالِي لِفُلَانٍ، لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ هَذَا مَالِي لِفُلَانٍ نَقْضًا لِلْوَصِيَّةِ الْأُولَى حِينَ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ.

قُلْتُ: وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثِ دُورٍ لَهُ، فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا دَارَانِ أَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَارِهِ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا الثُّلُثَانِ؟

قَالَ: لَا يُنْظَرُ إلَى مَا اُسْتُحِقَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ: الْعَبْدُ الَّذِي أَوَصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ رَجُلٍ آخَرَ؟

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ الْآخِرَةِ مَا يَنْقُضُ الْأُولَى، فَإِنَّ الْآخِرَةَ تَنْقُضُ الْأُولَى، فَأَرَى هَذَا نَقْضًا لِلْوَصِيَّةِ الْأُولَى.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: عَبْدِي فُلَانٌ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ لِرَجُلٍ، أَتَرَاهُ قَدْ نَقَضَ مَا كَانَ جَعَلَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ؟

قَالَ: إذَا قَالَ عَبْدِي هَذَا هُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ لِفُلَانٍ فَأَرَاهُ نَاقِضًا لِلْوَصِيَّةِ وَأَرَاهُ كُلَّهُ لِفُلَانٍ. وَإِذَا قَالَ عَبْدِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ أَيْضًا يَكُونُ حُرًّا وَلَا يَكُونُ لِفُلَانٍ الْمُوصَى لَهُ بِهِ فِيهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ عَطَايَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهَا، وَهَذَا عِتْقٌ لَا يُشْتَرَكُ فِيهِ وَهُوَ رَأْيِي.

سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ حَضَرَهُ سَفَرٌ فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ كَتَبَ وَصِيَّةً أُخْرَى وَهُوَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ. قَالَ: كِلْتَاهُمَا جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْأُولَى شَيْئًا.

يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ اشْتَكَى وَقَدْ كَانَ أَوْصَى فِي حَيَاتِهِ بِوَصِيَّةٍ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ، فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْصَى بِوَصَايَا أُخَرَ أَعْتَقَ فِيهَا. قَالَ: إنْ كَانَ عَلِمَ بِوَصِيَّتِهِ الْأُولَى فَأَقَرَّهَا، فَإِنَّ مَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ الْآخِرَةِ مِنْ شَيْءٍ يَنْقُضُ مَا كَانَ فِي الْأُولَى، فَإِنَّ الْآخِرَةَ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَمَا كَانَ فِي الْأُولَى مِنْ شَيْءٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ فِي الْوَصِيَّةِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفُذَانِ جَمِيعًا عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ.

ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ وَصِيَّتِهِ الْأُولَى، إنَّ الْآخِرَةَ تَجُوزُ مَعَ الْأُولَى إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآخِرَةِ نَقْضٌ لِمَا فِي الْأُولَى. وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَهُ، لِابْنِ وَهْبٍ هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>