للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلُّ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَانَتْ عَنْ مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي فَهُوَ الْحَبْسُ الْمَوْقُوفُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى وَلَدِي وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، فَهَذَا مَجْهُولٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَنْ حَدَثَ مِنْ وَلَدِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ يَدْخُلُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي بَعْدَهُمْ، فَهَذِهِ أَيْضًا عَلَى مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي. وَإِذَا سَمَّى فَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ وَعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ الْحَبْسُ الَّذِي لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ يُجَوِّزُهُ صَاحِبُهُ حَيَاتَهُ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ الْحَبْسُ لِعَقِبِهِ وَلِعَقِبِ عَقِبِهِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا انْقَرَضَ الْعَقِبُ إلَى مَا سَمَّى الْمُتَصَدِّقُ بِهَا وَسَبَلَهَا عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - مِنْهُمْ رَبِيعَةُ -: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَدْرِي بِعَدَدِهِمْ وَلَا يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ: وَالصَّدَقَةُ الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي تُبَاعُ إنْ شَاءَ صَاحِبُهَا إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إذَا سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَعْنَاهُ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَذْكُرْ عَقِبًا، فَهَذِهِ الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي يَبِيعُهَا صَاحِبُهَا إنْ شَاءَ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ: يَقُولُ دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى عَقِبِهِ مَنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةً. أَتَكُونُ حَبْسًا كَمَا يَقُولُ أَوْ صَدَقَةً؟ قَالَ: أَصْلُ قَوْلِهِ الَّذِي رَأَيْتُهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ، أَنَّهُ إذَا قَالَ حَبْسٌ وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةٌ فَهِيَ حَبْسٌ إذَا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا كَانَتْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ إذَا قَالَ حَبْسًا عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ صَدَقَةً، أَوْ قَالَ حَبْسًا وَلَمْ يَقُلْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ، فَهَذِهِ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي حَبَسَهَا إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ فَتَكُونُ مَالًا لَهُمْ. وَقَدْ قَالَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَكِنَّهَا تَكُونُ مُحْبَسَةً، بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقُولُ لَا تُبَاعُ، وَأَمَّا إنْ قَالَ حَبْسًا لَا تُبَاعُ، وَقَالَ حَبْسًا صَدَقَةً وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ، فَهَذِهِ الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي تَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبَسَةِ عَلَيْهِ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبَسِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُونَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي هَذَا قَطُّ أَنَّهُ إذَا قَالَ حَبْسُ صَدَقَةٍ، أَوْ قَالَ حَبْسٌ لَا تُبَاعُ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ، إنَّمَا الْمَوْقُوفَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبَسِ إنْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ كَانَ حَيًّا وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبَسِ عَلَى حَالِ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يُقَالُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَبَسَ حَبْسًا عَلَى أَحَدٍ، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الَّذِينَ حَبَسَ عَلَيْهِمْ الْحَبْسَ ثُمَّ مَاتُوا كُلُّهُمْ أَهْلُ الْحَبْسِ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ مِيرَاثًا بَيْنَ وَرَثَةِ الرَّجُلِ الَّذِي حَبَسَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ. ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ غَيْرِهِ فَجَعَلَهَا حَبْسًا فَهِيَ حَبْسٌ عَلَيْهِمْ يَسْكُنُونَهَا عَلَى قَدْرِ مَرَافِقِهِمْ، وَإِنْ انْقَرَضُوا أَخَذَهَا وُلَاتُهُ دُونَ وُلَاةِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَعَ وَلَدِهِ إذَا كَانُوا وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ غَيْرَهُمْ.

قَالَ رَبِيعَةُ: وَكُلُّ مَنْ حَبَسَ دَارًا

<<  <  ج: ص:  >  >>