للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّخْلُ وَالدُّورُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْت لَوْ أَنِّي أَعْتَقْت عَبْدًا لِي فِي مَرَضِي بَتْلًا، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً وَبَرِئْت مِنْ مَرَضِيّ ذَلِكَ أَوْ مِتُّ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُوَلِ. فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مِمَّنْ يُوقَفُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ أَمْوَالٌ مَأْمُونَةٌ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، إنَّ مَنْ قَتَلَ هَذَا الْمُعْتَقَ فِي الْمَرَضِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ، وَجِرَاحُهُ جِرَاحَاتُ عَبْدٍ، وَحُدُودُهُ حُدُودُ عَبْدٍ، فَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا جَنَى مِنْ جِنَايَتِهِ، لِأَنَّ جِنَايَتَهُ جِنَايَةُ عَبْدٍ، لِأَنَّهُ لَا تُحْمَلُ لَهُ جَرِيرَةً حَتَّى يَحْمِلَ هُوَ مَعَ الْعَاقِلَةِ مَا لَزِمَ الْعَاقِلَةَ مِنْ الْجَرَائِرِ، فَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ فِي مَرَضِهِ بَتْلًا فَجَرَّ جَرِيرَةً، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ؟

قَالَ: يُعْتَقُ ثُلُثُهُ وَيُرَقُّ ثُلُثَاهُ، وَيَكُونُ ثُلُثُ الْجِنَايَةِ عَلَى الثُّلُثِ الْعَتِيقِ، وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: ادْفَعُوا الثُّلُثَيْنِ أَوْ افْتَكُّوهُ بِثُلُثَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ سَبِيلَهُ هَهُنَا سَبِيلُ الْمُدَبَّر.

قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُدَبَّرُ فِي مِثْلِ مَا وَصَفْتُ لَكَ فِي هَذَا سَوَاءٌ.

قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ بَتْلًا وَلَا مَالَ لِلسَّيِّدِ غَيْرَهُ، فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ سَيِّدُهُ؟

قَالَ: يُوقَفُ الْعَبْدُ حَتَّى يُنْظَرَ إلَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ السَّيِّدُ، فَإِنْ بَرِأَ السَّيِّدُ مِنْ مَرَضِهِ وَصَحَّ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَيَخْرُجُ الْعَبْدُ حُرًّا بِجَمِيعِهِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ مِنْ مَرَضِهِ رُقَّ ثُلُثَاهُ وَعَتَقَ ثُلُثَهُ وَكَانَتْ حَالُهُ فِي الْجِنَايَةِ مِثْلَ مَا وَصَفْتُ لَكَ فِي الْمُدَبَّرِ.

قُلْتُ: فَهَلْ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ: إذَا أَوْقَفْتَ الْعَبْدَ فِي الْعِتْقِ الْمُبْتَلِّ: أَسْلِمْهُ أَوْ افْتَدِهِ؟

قَالَ: لَا. قُلْتُ: لِمَ؟

قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ خِدْمَةٌ وَلَا رِقٌّ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ فِي الْمُدَبَّرِ أَسْلِمْهُ أَوْ افْدِهِ لِلْخِدْمَةِ الَّتِي لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْمُدَبَّرِ الْخِدْمَةَ إلَى الْمَوْتِ.

قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا مِثْلَ مَا قَالَ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ خِدْمَةٌ فَيُسْلِمُهَا. فَكُلُّ قَوْلٍ تَجِدُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ هَذَا فَأَصْلُهُ عَلَى هَذَا، فَإِنَّ هَذَا أَصْلُ قَوْلِهِمْ وَأَحْسَنُهُ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُبَّمَا قَالَ غَيْرَ هَذَا ثُمَّ قَالَ هَذَا وَتَبَيَّنَ لَهُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَهَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي سَأَلْتُكَ عَنْهَا فِي الْعِتْقِ، الْبَتْلِ فِي الْمَرَضِ، أَسْمَعْتَهَا مِنْ مَالِكٍ؟

قَالَ: لَا، وَهَذَا رَأْيِي.

قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ أَعْتَقْت عَبْدِي فِي مَرَضِي بَتْلًا وَلَا مَالَ لِي سِوَاهُ، وَلِلْعَبْدِ مَالٌ كَثِيرٌ، أَيُؤْخَذُ مَالُ الْعَبْدِ أَمْ يُوقَفُ مَالُهُ مَعَهُ؟ قَالَ: يُوقَفُ مَالُهُ مَعَهُ.

قُلْتُ: فَإِنْ أُوقِفَ مَعَهُ مَالُهُ فَجَنَى جِنَايَةً مَا حَالُ مَالِهِ؟

قَالَ: يُوقَفُ مَالُهُ مَعَهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةَ.

قُلْتُ: وَلِمَ أَوْقَفْتَ مَالُهُ مَعَهُ؟

قَالَ: لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ ثُلُثُ الْجِنَايَةِ وَرُقَّ ثُلُثَاهُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يَفْتَكُّوا الثُّلُثَيْنِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي مَالِ الْعَبْدِ شَيْءٌ، وَكَانَ الْمَالُ مَوْقُوفًا مَعَ الْعَبْدِ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوهُ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ إنْ أَسْلَمُوا الثُّلُثَيْنِ إلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَكَانَ الْمَالُ مَوْقُوفًا مَعَهُ، لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ وُقِفَ مَالُهُ مَعَهُ، وَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>