للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا جَرَحَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ رَجُلًا مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ وَقَطَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ عَمْدًا، أَيُجْعَلُ هَذَا عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَمْ يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ؟ قَالَ: بَلْ فِي مَالِهِ وَلَا أَقُومُ بِحِفْظِهِ عَنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ: لِمَ جَعَلْتَ هَذَا فِي مَالِ الْجَانِي وَلَمْ تَجْعَلْهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ قُلْتَ لِي فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ عَنْ مَالِكٍ، إنَّ عَمْدَ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ حِينَ وَقَعَتْ وَلَا قِصَاصَ فِيهَا. فَهَذَا أَيْضًا قَدْ وَقَعَ حِينَ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا. فَلِمَ لَا تَجْعَلُ هَذَا عَلَى الْعَاقِلَةِ؟ أَرَأَيْتَ إنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُ هَذَا الذِّمِّيَّ بِمَأْمُومَةٍ عَمْدًا، أَتَجْعَلُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ أَمْ لَا؟ وَالْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ دِيَةِ النَّصْرَانِيِّ. وَقَدْ قُلْتَ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْمَجْرُوحِ أَوْ الْجَارِحِ، فَأَيُّهُمَا بَلَغَتْ الْجِنَايَةُ ثُلُثَ دِيَتِهِ حَمَلَتْهَا الْعَاقِلَةُ؟

قَالَ: الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ كَالسُّنَّةِ، إنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ - عِنْدَ مَالِكٍ - وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ اجْتَمَعَ أَمْرُ النَّاسِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ.

قَالَ: فَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِمَا مَا قَالَ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِيهِمَا - أَكْثَرَ دَهْرِهِ - إنَّهُمَا فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَمَلَتْ ذَلِكَ الْعَاقِلَةُ. وَيَقُولُ: إنَّمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَبْطُلُ جُرْحُهُ لِأَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَانِي عَدِيمًا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا قَوَدَ فِيهَا، حَمَلَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَجَعَلَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِضَعْفٍ.

قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ آخِرُ مَا كَلَّمْتُهُ فِيهَا مَا هُوَ عِنْدِي بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ: إنَّهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. فَأَرَى فِي مَسَائِلِكَ هَذِهِ كُلِّهَا فِي جِرَاحِ الْمُسْلِمِ النَّصْرَانِيَّ أَوْ فِي نَفْسِهِ، إنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إلَّا فِي مَأْمُومَتِهِ أَوْ جَائِفَتِهِ فَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي رَأْيِي

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبِيدَ، هَلْ بَيْنَهُمْ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ بَيْنَهُمْ الْقِصَاصُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي جِرَاحَاتِهِمْ وَفِي النَّفْسِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.

قُلْتُ: وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى بَيْنَهُمْ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ: إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَنَا اسْتَحْيِيهِ عَلَى أَنْ آخُذَهُ؟ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اسْتَحْيَاهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَقِيلَ لِمَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ: ادْفَعْ عَبْدَكَ أَوْ افْدِهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ.

قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ حُرًّا فَقَالَ وَلِيُّهُ: أَنَا أَسْتَحْيِيهِ عَلَى أَنْ آخُذَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ: ادْفَعْ عَبْدَكَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَفَرًا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعُوا يَدَهُ عَمْدًا، أَيُقْتَصُّ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ لَهُ وَتُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَصُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا وَتُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ، بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَيْنَيْنِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَطَعَ يَدَهُ مَنْ نِصْفِ السَّاعِدِ عَمْدًا، أَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَرَى الْقِصَاصَ فِي الْعِظَامِ إلَّا فِي الْفَخِذِ وَمَا وَصَفْتُ لَكَ مِمَّا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>