لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَا صَنَعَ الْأَبُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ فَيُخَفِّفَ عَنْهُ وَيُنْظِرَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْبِنْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ وَضَعَ الْأَبُ النِّصْفَ الَّذِي وَجَبَ لِابْنَتِهِ مِنْ الصَّدَاقِ، إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْبِنْتِ فَأَمَّا أَنْ يَضَعَ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا وَجَّهَ النَّظَرَ لَهَا فَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ لَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَالْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَيُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَهِيَ الْبِكْرُ الَّتِي يَعْفُو وَلِيُّهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ عَفْوُهَا هِيَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] فَالْعَفْوُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ امْرَأَةً ثَيِّبًا فَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلِيٌّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ أَمْرَهَا، فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَعْفُوَ فَتَضَعَ لَهُ مِنْ نِصْفِهَا الَّذِي وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهَا جَازَ ذَلِكَ لَهَا، وَإِنْ أَرَادَتْ أَخْذَهُ فَهِيَ أَمْلَكُ بِذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْبِكْرِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَاهُ جَائِزًا لِأَبِي الْبِكْرِ أَنْ يُزَوِّجَ وَضِيعَتَهُ إلَّا إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَفِي ذَلِكَ تَكُونُ الْوَضِيعَةُ، فَأَمَّا قَبْلَ الطَّلَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَبِيهَا وَكَذَلِكَ فِيمَا يَرَى مَوْقِعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الثَّيِّبَ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِرِضَاهَا فَدَفَعَ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ إلَى أَبِيهَا أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ فَدَفَعَ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ إلَى أَبِيهَا وَلَمْ تَرْضَ، فَزَعَمَ الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ تَلِفَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَضْمَنُ الْأَبُ الصَّدَاقَ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ بِكْرًا لَا أَبَ لَهَا زَوَّجَهَا أَخُوهَا أَوْ جَدُّهَا أَوْ عَمُّهَا أَوْ وَلِيُّهَا بِرِضَاهَا فَقَبَضَ الصَّدَاقَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِيَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْضُهُ عَلَى الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ لَهَا وَمَالُهَا فِي يَدَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ مَالَهَا مِنْ الْوَصِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ طُمِثَتْ وَبَلَغَتْ فَذَلِكَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ تَتَزَوَّجُ وَيُؤْنَسُ مِنْهَا الرُّشْدُ وَالْإِصْلَاحُ لِنَفْسِهَا فِي مَالِهَا
قُلْتُ: وَمَا سَأَلْتُك عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْبِكْرِ أَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا رَأَيْت مَالِكًا يُضَمِّنُ الصَّدَاقَ الْأَبَ الَّذِي قَبَضَ فِي ابْنَتِهٍ الثَّيِّبِ لِأَنَّهَا لَمْ تُوَكِّلْهُ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ وَأَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا حِينَ قَبَضَ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حِينَ قَبَضَهُ، فَيَبْرَأُ مِنْهُ، بِمَنْزِلَةِ مَالٍ كَانَ لَهَا عَلَى رَجُلٍ فَقَبَضَهُ الْأَبُ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ وَالْأَبُ ضَامِنٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْبَعَ الْغَرِيمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute