يُنْقِدْهَا إيَّاهُ، وَيُتْبِعُهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهَا إيَّاهُ، سَوَاءٌ الَّذِي أَخَذَ مِنْهَا أَوْ أَخَذَتْهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا اشْتَرَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَكَ أَنْ لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَلَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا أَتْبَعَهُ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْقِدْهُ إيَّاهَا وَأَتْبَعَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ إيَّاهَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا بِاَلَّذِي أَعْطَتْهُ، فَكَمَا كَانَ فِي الْخُلْعِ إنْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا وَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا وَعَلَى أَنْ يَتَتَارَكَا فَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ صَدَاقِهَا أَعْطَتْهُ أَوْ لَمْ تُعْطِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ أَجَزَأَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْ صَدَاقِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرْضَ أَنْ يُخَالِعَهَا إلَّا بِاَلَّذِي زَادَتْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَمَا كَانَ يَكُونُ لَوْ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ قَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَتْ مِنْهُ طَلَاقَهَا، فَهُمَا وَجْهَانِ بَيِّنَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: هَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا فِي الْخُلْعِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا - أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يَصِلْ لِلْمَرْأَةِ وَلَمْ يَأْتِ إلَيْهَا وَلَمْ تُؤْتَ الْمَرْأَةُ مِنْ قِبَلِهِ وَأَحَبَّتْ فِرَاقَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهَا مَا افْتَدَتْ بِهِ. وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ بِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ حِينَ جَاءَتْ فَقَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ لِزَوْجِهَا، وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي وَافِرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خُذْ مِنْهَا " فَأَخَذَ مِنْهَا وَتَرَكَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ نَبْهَانَ حِينَ «تَحَاكَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَأَزِيدُهُ فَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عِنْدَ الرَّابِعَةِ: رُدِّي عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَزِيدِيهِ» .
وَذَكَرَ أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَشْتَكِي زَوْجَهَا فَحُبِسَتْ فِي بَيْتٍ فِيهِ زِبْلٌ فَبَاتَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ بَعَثَ إلَيْهَا فَقَالَ: كَيْفَ بِتّ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَتْ: مَا بِتّ لَيْلَةً أَكُونُ فِيهَا أَقَرَّ عَيْنًا مِنْ اللَّيْلَةِ، فَسَأَلَهَا عَنْ زَوْجِهَا فَأَثْنَتْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَقَالَتْ إنَّهُ وَإِنَّهُ وَلَكِنْ لَا أَمْلِكُ غَيْرَ هَذَا، فَأَذِنَ لَهَا عُمَرُ فِي الْفِدَاءِ. سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَارِثُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى سَمُرَةَ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِزَوْجِهَا اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَكْرَهُ أَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] .
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّ مَوْلَاةً لِصَفِيَّةَ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا إنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا أَوْ ضَيَّقَ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَهَا ظَالِمٌ مَضَى عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا، وَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ وَاَلَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute