بَعْدُ، قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُتَكَارِي يَتَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الدَّارَ فَيَقُولُ رَبُّ الدَّارِ: أَكْرَيْتُكَ سَنَةً وَقَدْ مَضَتْ السَّنَةُ، وَيَقُولُ الْمُتَكَارِي: لَمْ تَمْضِ، قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَكَارِي.
قُلْتُ: لَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ قَبَضَ مَا اشْتَرَى، إنَّمَا اشْتَرَى رَقَبَتَهُ فَقَدْ قَبَضَهَا وَادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ سَيِّدُهُ: بَلْ كَانَ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ حَلَّ، قَالَ الْمُكَاتَبُ: يُشْبِهُ الرَّجُلَ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَجَلِ سَنَةٍ فَيَتَصَادَقَانِ أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ كَانَ سَنَةً وَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ مَضَتْ السَّنَةُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ تَمْضِ السَّنَةُ قَالَ: هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ مَضَى فَكَذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ قَدْ مَضَى وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْعَبْدُ: نَجَّمْتَ عَلَيَّ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً، وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ نَجَّمْتُ عَلَيْكَ كُلَّ شَهْرٍ مِائَتَيْنِ، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْعَقَدَتْ فَادَّعَى السَّيِّدُ أَنَّ أَجَلَ الْمِائَةِ الزَّائِدَةِ الَّتِي ادَّعَى قَدْ حَلَّتْ، وَقَالَ الْعَبْدُ: لَمْ تَحِلَّ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِيمَا أَخْبَرْتُكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَصَادَقَا عَلَى أَصْلِ الْكِتَابَةِ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ أَنَّهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَ السَّيِّدُ: نَجَّمْتُهَا عَلَيْكَ خَمْسَةَ أَنْجُمٍ كُلَّ شَهْرٍ مِائَتَيْنِ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَلْ نَجَّمْتَهَا عَلَيَّ عَشْرَةَ أَنْجُمٍ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَعْدَلَ.
قُلْتُ: فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ قَالَ: هُمَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ التَّكَافُؤِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ السَّيِّدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيِّنَةَ السَّيِّدِ قَدْ زَادَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَلَا تَرَى أَنْ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ بِتِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِالْأَكْثَرِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: كَاتَبَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ كَاتَبْتُكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَوْتٌ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَكَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ فَوْتٌ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ فَقَبَضَهَا وَفَازَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute