وهذه الأولية ليس لها ابتداء كما قال ابن أبي زيد رحمه الله:(ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انتهاء)، وهذه من الأمور التي لا يدركها العقل دون وحي، فالعقل نظراً لأن نطاقه الوجود الضيق الذي سبقه عدم ويلحقه عدم، لا يمكن أن يسلم صاحبه إلا إذا سلم للوحي، والإنسان لا يتصور إلا الشيء الذي يكون في المكان لأنه هو كذلك.
ومن هنا قال الغزالي: إن العقل بمثابة المائع إذا صب في شيء أخذ شكله، أي: أخذ شكل الشيء الذي يصب فيه، فالعقل صب في الإنسان، والإنسان حادث وسيعدم فلم يستوعب العقل إلا ما كان كذلك.
ومن هنا فتصورات الإنسان ناشئة عن تشبيهه بنفسه وبما يعرفه من هذه الكائنات، ومن هنا جاءت فكرة التشبيه وفكرة التعطيل، وكلها ناشئة عن أن عقل الإنسان لا يتصور إلا ما كان كالإنسان مما يسبق وجوده عدم وسيلحق وجوده عدم، وهكذا، وما سبق وجوده لا يمكن أن يدركه عقله، وما بعد عدمه أيضاً لا يمكن أن يدركه عقله، ومن هنا لا يتجاوز العقل حدوده وعليه أن يسلم بالوحي، وإذا تجاوزنا نطاق العقل وأخذنا بالوحي، فالوحي يغطي ما وراء ذلك من المساحات التي وراء العقل.