فهذا عبد الله بن مسعود راع للغنم من هذيل وهو حليف في بني زهرة في قريش، حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على هدايته فآمن واتبع وصدق، وكان من أفضل هذه الأمة، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه:(رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد).
كان رضي الله عنه نحيفاً رقيقاً لفقره، فصعد في شجرة فرآه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك بعضهم من حموشة ساقه -أي: من رقة ساقه- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أتضحكون من حموشة ساق ابن مسعود، فلهي عند الله أثقل من جبل أحد).
فالمعايير التي عند الناس ليست هي المعايير عند الله، بل قد يرى الرجل الذي لا يعرفه أحد وهو عند الله يوزن بالآلاف، ويرى الرجل الضخم السمين لا يساوي عند الله جناح بعوضة.
وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يؤتى بالرجل الضخم السمين يوم القيامة لا يساوي عند الله جناح بعوضة)، لذلك اتصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن يثق بهم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به، وهذا يدلنا على أهمية الثقة بين الناس، فمن المهم أن تتصل القلوب وأن يقع بينها التعارف والانسجام والتفاهم، فإن ذلك معين على تقبل الحق وسماعه، فقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به.
وقد فعل ما فعل من سبقه من الأنبياء، فقال:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}[آل عمران:٥٢]، فاستجاب له الذين أراد الله بهم الخير من ذلك الجيل المشرف فاجتمعوا حوله.