للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الأقدار التي تعترض الإنسان]

والأعراض التي تحيط بالإنسان من كل جانب: منها ما ينفعه في دنياه ويضره في آخرته، أي: يخيل إليه أنه انتفع به في الدنيا لكنه مضرة عليه في الآخرة.

ومنها ما يضره في الدنيا، لكنه ينفعه في الآخرة، أي: يخيل إليه ضرره في الدنيا وهو نفع؛ لأنه ينفعه في الآخرة.

ومنها ما يكون نفعاً فيهما معاً، فيكون نفعاً للإنسان في الدنيا وفي الآخرة.

ومنها ما يكون ضرراً فيهما معاً.

وهذه هي أنواع القدر الأربع، فالقدر يجب الإيمان بخيره وشره، حلوه ومره، فهو أربعة أقسام: النوع الأول: القدر الخير الحلو: وهو ما يعجله الله لعباده المؤمنين مما يعينهم على طاعته ويزيدهم سعادة وإقبالاً على الله، فالنعم التي ينعم الله بها على المؤمنين، ويوفقهم إلى استغلالها في طاعته، ويعينهم على شكرها له سبحانه وتعالى، هذه النعم هي من القدر الخير الحلو فهي خير لهم؛ لأنه أعانتهم على طاعة ربهم، وهي حلوة؛ لموافقتها لهواهم وما يحبونه.

والنوع الثاني: القدر الخير المر: وهو ما يصيب الله به عبده المؤمن من المصائب التي تكون تكفيراً لذنبه وتطهيراً له ورفعاً لدرجته، فهي خير له؛ لأنها زادته تقريباً من الله سبحانه وتعالى، ولكنها مرة عنده؛ لأنه لا توافق مراده ومناه، وهذان القسمان يختصان بأهل الإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن كل أمر المؤمن له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).

القسم الثالث: القدر الشر الحلو: وهو ما يصيب أعداء الله سبحانه وتعالى من الاستدراج والابتلاء بأنواع المسرات في هذه الحياة، وما يفتح الله لهم من التكنولوجيا والتقدم، مما يزيدهم طغياناً وبغياً وتجبراً وتكبراً على أهل الأرض، فهذا يزيدهم بعداً عن الله سبحانه وتعالى فهو شر لهم، ولكنه حلو؛ لأنه يوافق هواهم.

والنوع الرابع: القدر الشر المر: وهو صناديد القدر، وهو ما يسلطه الله على أعدائه من عاجل أخذه الوبيل من تحطم الطائرات والمركبات الفضائية والحروب والفتن وغير ذلك، فهذا النوع صناديد -وشر لهم في الآخرة، فهي من القدر الشر المر فهي شر لهم لأنها تعجلهم إلى النار، وهي مرة لأنها لا توافق هواهم ولا يحبونها.

فهذه الأعراض إذاً أنواع منوعة، فما يناله الإنسان من العافية والصحة إذا استغله في مرضاة الله سبحانه وتعالى كان من القدر الخير الحلو، وإذا استغله في معصيته كان من القدر الشر الحلو، وما يصيب الإنسان من المصائب إذا كان مؤمناً وصبر فهو من القدر الخير المر، وما يصيبه من المصائب إن لم يصبر أو لم يكن مؤمناً فهو من القدر الشر المر، نسأل الله السلامة والعافية.

وهذه الأعراض كذلك منها الأمراض التي قد ينجو الإنسان من مرض ويتماثل للشفاء ليتأهب لمرض آخر، وقد ينجو من حادث ليموت في حادث آخر، وقد لا يتحقق له مراده في سفر من أسفاره، ثم يتحقق له في سفر آخر، وقد لا ينجح في محاولة من المحاولات ثم ينجح في أخرى، كل ذلك بتدبير الله وتقديره.

فترون الإنسان يشترك في امتحان مثلاً: في امتحان البكالوريوس في هذا العام فلا ينجح ويعيد الكرة في العام القادم فينجح متفوقاً، والامتحان هو الامتحان، وهو لم يبذل من الجهد إلا ما بذل، لكن القضية كلها راجعة إلى قدر الله وما كتبه، فلم يكتب هذا الإنسان من الناجحين في هذا العام، وكتب من الناجحين في العام القادم وهكذا.