أولاً: نقص الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبقدره وبملائكته، وبالبعث بعد الموت وباليوم الآخر وما اشتمل عليه.
فالذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه وبالقدر خيره وشره، ويؤمن بالبعث بعد الموت وباليوم الآخر وما اشتمل عليه؛ يعلم أن هذه الحياة الدنيا ليست الحياة الباقية وأنها متاع وأن الآخرة هي دار القرار، ومن هنا سيحاول أن يعيش فترات حياته المحدودة في هذه الدنيا بسلام، وأن ينطلق منها سالماً على الأقل، كما قال عمر بن الخطاب في حال موته:(وددت لو أخرج منها كفافاً لا علي ولا لي)، سيحاول أن يخرج من هذه الدنيا كفافاً لا له ولا عليه على أقل تقدير، أما الذي يقل إيمانه بالله فلا يستشعر أن ديان السموات والأرض يراقبه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، ولا تخفى عليه خافية، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما توسوس به نفسه.
ويعلم كذلك جزماً بملائكة الله الكرام الكاتبين الذين لا يخفى عليهم شيء من عمله {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:١٠ - ١٢]، وقال جل وعلا:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨].
ويعلم كذلك علم اليقين أن كل شيء بقدر الله، وأن الله كتب كل شيء قبل أن يكون وعلمه، قال الله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:٥٩] ويعلم كذلك أنه سيموت ويبعث بعد الموت، سيحيا ليقص أثره {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس:١٢] سيقص أثره كاملاً ويراجع حساباته ويرى صحائف أعماله، ويبدو له من الله ما لم يكن يحتسب.
وإذا علم كذلك أن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنها هي دار الجزاء ووزن الأعمال؛ لن يسرف ولن يقترف، ولن يحاول أن يصرف قوته وطاقته وجهده إلا فيما ينجيه من هول ذلك اليوم.
أما من يخفُّ إيمانه بهذا وينقص فهو الذي يبحث عن وليجة أو عن مدخل؛ ليخفي على الله أو على ملائكته الكرام الكاتبين شيئاً من الأعمال، أو يظن أنه حتى لو علم الله بها فهو لن يبعث أو لن يحشر أو أنه لن يجدها، قال الله تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:٣٠].
إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أن هذا الإجرام سببه هو نقص الإيمان؛ ولهذا قال:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ترفع إليها الرءوس حين ينتهبها وهو مؤمن) فصاحب الإيمان القوي عنده ما يردعه وكفى بالإيمان رادعاً.
أما من ضعف إيمانه وخف يقينه فهو الذي يذهب في هذه الدنيا ولا يبالي بما اقترف، ويسير كأنه لا يستشعر عقوبة الله سبحانه وتعالى، ولا يستشعر الملائكة الكرام الكاتبين، ولا يتذكر موته وحمله على الرقاب إلى الدار الآخرة، ولا يتذكر فزعته من القبر وقيامه منه حين ينفخ في الصور نفخة الفزع، ولا يستشعر عرضه على الله ووقوفه بين يديه، ولا يستشعر الكفتين: كفة الحسنات وكفة السيئات ووزن الأعمال فيهما بمثاقيل الذر {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:٧ - ٨].