وأما الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حين لقي إبراهيم في السماء السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، قال له: أبلغ أمتك أن الجنة إنما هي قيعان وغراسها التكبير والتسبيح والتهليل)، فليس على حقيقته، وما يفهمه الناس منه من أنها مجرد قيعان، والإنسان يغرس فيها بعمله فقط، وكلما ازداد عملاً ازداد ما ينبت له في الجنة غلط، لأن الجنة لا يدخلها الإنسان بجزاء عمله، بل لا يدخلها إلا بعفو الله وفضله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن أحداً منكم لن يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
والمقصود بذلك أن الجنة لا يمكن أن يقاومها شيء من عمل الإنسان، فعمل الإنسان نعم ينعم الله بها عليه ويوفقه لها، وهذه النعم لا يمكن أن يقابلها بشكر؛ ولذلك روي أن عابداً من بني إسرائيل عاش زمناً طويلاً يعبد الله تعالى، فجيء به بعد موته فقال الله تعالى لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة بعفوي وفضلي، فقال: يا رب بعملي، فعاد حتى قالها ثلاثاً، فقال الله لملائكته: زنوا نعمتي على عبدى وعمله، فأخذوا نعمة واحدة وهي نعمة البصر، فوزنوها بعمله فإذا هو لو عاش خمسين ألف سنة في عبادته لما بلغت مقابل نعمة البصر، ولم يأخذوا نعمة الإيمان ولا نعمة الخلق أصلاً، وغيرها من النعم، فقال: يا رب أدخلني الجنة برحمتك وعفوك، فأدخله برحمته وعفوه.
لكن حديث إبراهيم هذا يدل على الحث على الزيادة من الأعمال وأن درجة الإنسان في الجنة بقدر عمله، ولذلك يقال لقارئ القرآن يوم القيامة:(اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)، فزيادة الأعمال تزيد الدرجات في الجنة وتزيد الإنسان قرباً ورؤية لله سبحانه وتعالى.
فالنار والجنة باقيتان خالدتان لا ينقطع شيء مما فيهما، ولا يزول شيء مما فيهما البتة، وما ذكر عن بعض العلماء أن النار سيأتي يوم تفنى فيه، فهذا لا يوافق عليه، بل هو مخالف لكثير من الآيات والأحاديث الدالة على خلودها وبقائها.
وأما قوله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود:١٠٦ - ١٠٨] فالمقصود بقوله: (إلا ما شاء ربك) التبرك والتمدح، فهذا ثناء على الله سبحانه وتعالى وأنه يخرج من النار أقواماً بعد أن دخلوها بمعاصيهم، فيخرجون منها بإيمانهم كما سبق ذلك في الشفاعة، لكن الجنة من دخلها لا يخرج منها أبداً.
والنار كذلك لا تفنى، بل قد ذكر الله تعالى استمرار عذابها وتخليد عذابها نسأل الله السلامة والعافية.