التخطيط لطلب العلم له أربعة أركان: الركن الأول: تحديد الأهداف وتحليلها: تحدد الأهداف التي تطلبها ثم تحللها حتى تجعلها جزئيات صغيرة، لتتمكن من أدائها، فإذا لم تحدد هدفك ستعيش مثل حياة البهائم:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}[محمد:١٢]؛ لأنه ليس لهم هدف في الحياة، فهم يعيشون كما تعيش البهائم، لا يفكرون فيما بعد الموت.
فمدة حياتهم في تصورهم هي هذه المدة اليسيرة القليلة، وحظهم من المعاش ما أخذوه من ملذات الحياة الدنيا الزائفة الزائلة، ثم لا خلاق لهم في الآخرة، وهذا لا يرضى المؤمن به بوجه من الوجوه، المؤمن لا بد أن يفكر في معاده ومستقبله، ولابد أن يخطط لذلك، ومن هنا لابد أن يكون لديه هدف كبير وهو: تحقيق رضوان الله، وأن يرضى الله عنه.
فإذا رضي الله عنا لا يضرنا ما لم يتحقق لنا من أمور الدنيا، الذين قتلوا يوم أحد، وبقرت بطونهم، وأخرجت أكبادهم، وقطعت أنوفهم وآذانهم -رضي الله عنهم- هل ضرهم مما حصل شيء؟! والذين عاشوا بعدهم من الصحابة لحقوا بهم وماتوا جميعاً، إذاً: لم يفتهم شيء من هذه الحياة الدنيا، وأدركوا ما يريدون من رضوان الله.
من رضي الله عنه لا يضره ما فقد ولا يضره ما نقصه من هذه الحياة الدنيا، ومن لم يرض الله عنه -والله- لا ينفعه ما أحرز وما حقق من الأهداف، وما وصل إليه من المراتب، لا ينفعه ذلك شيئاً.
إذاً: لابد أن يكون الهدف الأسمى والغاية التي نريدها: تحقيق رضوان الله، وأن نتقرب إليه بما يرضيه عنا.
وإذا كان هذا الهدف واضحاً بين أعيننا فلابد أن نبحث عن تجزئته، وأن نحلل هذا الهدف، وتحليله سيجعله سهلاً؛ لأنك ستجعله مراتب، فمثلاً: تفسير الإمام البغوي تفسير كبير، وإذا كان من هدفك -مثلاً- قراءة هذا التفسير كاملاً، ولم تجزئه على الوقت، سيكون شاقاً وصعباً لديك، ويكون بمثابة جبل تحمله، لكن إذا جزأته وقرأت كل مقطع منه، فإنك تكون قد أنجزت هدفك إذا قرأت ذلك المقطع، فمثلاً إذا أردت قراءة سورة البقرة وآل عمران، وأنجزت ذلك، فأنت ناجح على كل حال، بخلاف الذي يريد قراءة الكتاب كاملاً ولم يكمله فهو فاشل، لأن الهدف الذي حدده لم يصل إليه، بخلاف الذي حلل الهدف وجعله أهدافاً صغيرة، فهو ناجح عندما يصل إلى كل هدف من الأهداف الصغيرة.
إذاً: لابد من تحديد الأهداف أولاً، ثم تحليلها إلى جزئيات لنتمكن من الوصول إليها.
كثير من الناس يعيش مع العموميات، فيقول مثلاً: نحن نريد إرجاع الأمة إلى الكتاب والسنة، هذه عموميات لا نختلف فيها، لكن كيف ذلك؟ ما لم يحلل الهدف ويحدد، لا يمكن أن تنجح أصلاً، كيف يقاس أن الأمة رجعت فعلاً إلى الكتاب والسنة؟! متى يكون لديك شهادة على أنها رجعت للكتاب والسنة؟! إذاً: هذا هدف غير محدد، وغير محلل، ولا يمكن قياسه، فلابد من تحديد الأهداف وتحليلها.