للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عداوة الشيطان للإنسان]

العدو الأول: الشيطان طويل العمر الذي قال الله فيه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:٦]، وهذه الآية جمعت بين الخبر الذي حقه التصديق وهو قوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ)، والأمر الذي حقه التطبيق وهو قوله: (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).

فالخبر يجب علينا تصديقه، فيجب علينا جميعاً أن نعتقد أن الشيطان عدو لنا، وهذا لا أرى أحداً يخالف فيه، والأمر وهو قوله: (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، يوجب علينا أن نتخذه عدواً أي: أن نريه من أنفسنا عداوة، وهذه العداوة لابد أن نعرف أنه لا يمكن أن نقتله بها فهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، ولا يمكن أن نضربه فهو يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، ولا يضره شتمنا له وهجاؤنا له فقد لعنه الله.

ولا يمكن أن نتخذه عدواً إلا بأحد أمرين: الأمر الأول: عدم اتباع خطواته، أي: الانقطاع عن خطواته بالكلية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:٢١]، و (خطوات الشيطان) هي الفحشاء والمنكر، فإذا انقطع الإنسان عن الفحشاء والمنكر فقد عادى الشيطان؛ لأنه لم يتبع خطواته.

والأمر الثاني: نقص جنده، فأي ملك يقاتل ملكاً قد لا يبرز واحد منهما للقتال، ولا يتضرر بالمعركة تضرراً مباشراً؛ لكن انتقاص جنده بالقتل والأسر هو تحقيق عداوته له، وجند إبليس هم {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:١١٢]، ونقصك لهم إنما هو بالسعي لهداية من استطعت التأثير عليه منهم، فإذا اهتدى على يدك شخص واحد، فقد حققت عداوتك لإبليس، وإذا اهتدى على يدك اثنان فقد زدت في العداوة له، وهكذا كلما ازداد عدد من اهتدى على يدك ازدادت عداوتك لإبليس؛ لأنك نقصت جنده بذلك.

فهذه الجبهة هي الجبهة الأولى وهي من أخطر الجبهات؛ لأنها تأتي من كل الجهات كما قال الله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:١٧]، وقد أقسم بعزة الله عز وجل يميناً أكدها على إغواء أكثر البشر، قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:٨٢ - ٨٣]، وقد أخبر الله أن يمينه تحققت فيمينه ما بناها إلا على ظنه بالناس، فظنه بالناس أنهم يتبعون الشهوات؛ ومن لم يتبع الشهوات منهم تأثر بالشبهات.

فلذلك ظن عليهم هذا الظن، فأقسم فحقق ظنه فيهم، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:٢٠].

و (صدَّق، وصدَق) معناهما واحد، وهما قراءتان إحداهما تفسر الأخرى (صدق عليهم إبليس ظنه) أي: صدق عليهم ما في ظنه، (وصدَّق عليهم ظنه) أي: أوقعه فيهم باتباعهم للشهوات والشبهات فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين.